رياض سلامة… متهم بريء حتى تثبت إدانته

هدى علاء الدين

على مدى يومين متتالين، استمع محققون أوروبيون من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بوجود قاضٍ لبناني إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في قصر العدل، وذلك في إطار تحقيقات أوروبية تشمل عمليات غسيل أموال وقضايا اختلاس. واستمرت الجلسة الأولى حوالي خمس ساعات أجاب خلالها سلامة عن 100 سؤال، في حين سيطر الهدوء التام على أجواء الجلسة الثانية التي استمرت لساعتين. وتُركز التحقيقات بصورة أساسية على النظر في شركة Forry Associates Limited، وهي شركة تأسست في جزر العذراء البريطانية. وتشتبه السلطات في أوروبا في أن محافظ البنك المركزي وشقيقه استغلا هذه الشركة في اختلاس الأموال العامة اللبنانية من خلال الأنظمة المصرفية الأوروبية وأسواق العقارات، بحيث تمّ تحويل 330 مليون دولار على مراحل من مصرف لبنان المركزي إلى سويسرا، في حين توزعت الأموال على شبكة معقدة من الحسابات المصرفية والشركات المملوكة من شركاء رياض سلامة في محاولة لاخفاء مصدرها الأساس.

سلامة الذي دافع عن نفسه بعد انتهاء التحقيق معه، أشار في بيان صادر عنه إلى أنه حضر جلسة دعا إليها الرئيس شربل أبو سمرا من دون رفقة المحامي، معتبراً أن حضوره كان كمستمع إليه لا كمشتبه فيه ولا كمتهم، وذلك احتراماً منه للقانون وللقضاة.

وأكّد سلامة خلال الجلسة الأدلة والوثائق التي كان قد تقدم بها إلى القضاء في لبنان والخارج مع شرح دقيق لها، والتي تُظهر أن المبالغ الدائنة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حولت منه عمولات إلى Forry كانت قد سُددت من أطراف أخرى ولم يدخل إليه أي مال من مصرف لبنان في الوقت الذي لم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة. كما تُظهر الكشوفات أن حسابه الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف ولم تحول إلى حسابي أموال من مصرف لبنان. وأقرّ بأنه يلمس منذ أكثر من سنتين تعطشاً للادعاء عليه وسوء نية من خلال حملة اعلامية مستمرة تتبناها بعض الوسائل الاعلامية والتجمعات المدنية منها تم إيجادها غب الطلب لتقديم إخبارات في الداخل وفي الخارج للضغط على القضاء والمزايدة عليه، بحيث أصبح مدنيون وصحافيون ومحامون يدعون أنهم قضاة، يحاكمون ويحكمون بناء لوقائع قاموا بفبركتها. وقد واكبهم بعض السياسيين من أجل الشعبوية اعتقاداً منهم أن هذا الأمر يحميهم من الشبهات والاتهامات أو أنه يساعدهم على نسيان ماضيهم أو يعطيهم عذراً لاخفاقاتهم في مواجهة وحل الأزمة، ناسين أن الاوطان لا تبنى على الاكاذيب.

تجدر الاشارة إلى أن رحلة سلامة مع القضاء اللبناني والأوروبي تعود إلى أكثر من سنتين، ومرّت في مراحل عدة بدأت في العام 2021 مع توجيه اتهامات له بارتكابه جرائم خطيرة تتمثل في تهريب الأموال إلى الخارج وغسل الأموال ونهب المال العام والإثراء غير المشروع والتزوير والاحتيال، مروراً بالعام 2022، حين ادعت القاضية غادة عون على سلامة وشقيقه بجرم الاثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وصولاً إلى إقدام الدولة اللبنانية على ادعاء شخصي ضد سلامة منذ أيام قليلة. وعلى الرغم من كل هذه الاتهامات، لا يترك سلامة فرصة إلا ويشدد فيها على براءته، نافياً كل الاتهامات الموجهة إليه والتي تحمّله مسؤولية الوضع النقدي والمالي الحالي كونه كان العراب الأوحد لاستقرار الليرة على مدى أعوام.

بين رياض سلامة والمحاكم اللبنانية والأوروبية معركة حاسمة سيكون فيها القرار للأقوى، فالحاكم الذي يقف وحيداً في المواجهة، سيضطر إلى إثبات براءته من جميع التهم الموجهة إليه، خصوصاً وأنه يحمل في جعبته العديد من الحقائق المتعلقة بكيف وأين ولصالح من تمّ هدر الأموال والاحتياط الالزامي؟ ومع اقتراب موعد رحيله في تموز المقبل واشتداد المعركة القضائية والسياسية ضده، يبقى رياض سلامة المتهم البريء حتى تثبت إدانته.

شارك المقال