اليوم “الماراتوني” للدولار و”أرنب” سلامة والاحتجاجات

حسين زياد منصور

وكأن دولار السوق السوداء يخوض سباقاً ماراثونياً ليسجل رقماً قياسياً أمام الليرة اللبنانية، اذ وصل بطريقة سحرية الى ما يقارب الـ 145 ألف ليرة للدولار الواحد، فيما تواصل الليرة انهيارها أمامه منذ صيف 2019، حين تفجرت الأزمة وتوسعت لتشمل كل القطاعات في لبنان وعلى مختلف الأصعدة.

لكن هذا الارتفاع الكبير والمفاجئ ما لبث أن توقف حين أنزله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن عرشه 40 ألفاً، ليتراوح بين 105 و110 آلاف ليرة مع رفع منصة “صيرفة” الى 90 ألفاً، ما يعني أن الفواتير التي سيدفعها المواطن من هاتف خلوي وكهرباء وغيرها ستحتسب وفق ذلك.

خلال هذا النهار “الدولاري” بامتياز، تحرك البعض احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية، فأقفلت الطرقات في عدد من المناطق، وأغلق البعض مصالحهم ومؤسساتهم بسبب الجنون الكبير للدولار، وتوالت دعوات من مختلف الروابط والنقابات والقطاعات الانتاجية والعمالية والصحية الى إعلان الاضراب المفتوح والعصيان المدني، لكنها ما لبثت أن انطفأت بعدما أخرج حاكم “المركزي” أرنباً صغيراً أجبر الدولار على التراجع 40 ألف ليرة.

اضراب الصيادلة

تشابهاً مع سرعة الدولار في الصعود والهبوط، دعا نقيب الصيادلة جو سلوم الصيدليات الى فتح ابوابها ابتداءً من الغد، بعد إعلانه توقيع اتفاقية بين نقابة صيادلة لبنان ونقابة مستوردي الأدوية، تضمن تسليم الأدوية الى الصيدليات بصورة منتظمة ضمن آلية محدّدة، آملاً أن يتم تطبيق بنود الاتفاق للتمكن من الاستمرار في خدمة المرضى.

وكان سلوم صرح قبلها بساعات عن ضرورة إيجاد حلّ شامل للأزمة، وأن على جميع اللبنانيين الضغط على أحزابهم ونقاباتهم للقيام بعصيان مدني والضغط لانتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً الى أن مخزون الصيدليات من الأدوية بات فارغاً ومعظمها سيُقفل أبوابه باستثناء عدد قليل في الأقضية للحالات الطارئة وأنهم لم يتسلموا أدوية منذ أسبوعين.

واستتبع ذلك ببيان عن نقابة الصيادلة دعت فيه الصيدليات في لبنان الى الاقفال ابتداءً من اللحظة، الى أن يعاد تسليم الأدوية الى الصيدلية بالصيغة والآلية أيّاً تكن والتي يتّفق عليها المعنيون، وذلك بسبب الانهيار الحاصل من دون أي مبالاة لدى المسؤولين، وبعد توقّف الشركات والمستودعات عن تسليم الأدوية الى الصيدلية بصورة شبه كلّية منذ أكثر من أسبوعين، وبعد إفراغ الصيدليات من الأدوية. 

دولرة المحروقات والغاز

وبعد انخفاض الدولار في السوق السوداء، صدر جدول أسعار المحروقات، الذي أصبح يصدر أكثر من مرتين أحياناً في اليوم نفسه، وشهد انخفاضاً في الأسعار.

ولكن خلال ساعات النهار حين كان الدولار “محلقاً”، أعلن ممثّل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا عن عدم قدرة الموزع أو صاحب المحطّة على تحمّل الفرق بين الجدول وسعر الصّرف في ظل ارتفاع الدولار.

وعقدت رابطة أصحاب محطات المحروقات في لبنان اجتماعاً استثنائياً للبحث في تداعيات انهيار الليرة اللبنانية على مسألة التسعير وعدم قدرة وزارة الطاقة على اللحاق باحتساب الأسعار الجديدة لصفيحة البنزين وفقاً لسعر الدولار، على الرغم من صدور جدولين أو أكثر يومياً لأسعار المحروقات وأنه لن يكون أمامهم سوى اعتماد التسعير بالدولار كي يتمكنوا من الاستمرار من دون خسائر، اذ أن النتيجة هي لا اقفال لمحطات المحروقات بل البيع سيكون بالدولار.

اما رئيس نقابة موزّعي الغاز جان حاتم فأكد أن رأسمالهم يذوب، بسبب تقلّبات الدولار وأنهم غير قادرين على القيام بأي شيء، وعلى وزير الطاقة اتّخاذ تدبير موقّت لحلّ موضوع تسعير الغاز.

والى جانب ذلك كله، كان هناك توجه لدى المدير العام لـ “أوجيرو” عماد كريدية الى تقديم استقالته ما لم يُحلّ موضوع دفع الرواتب وتمكين الهيئة من القيام بواجباتها تجاه المواطنين. والأمر نفسه بالنسبة الى رابطة معلّمي الأساسي في لبنان، اذ هددوا بإنهاء العام الدراسي في حال عدم إعتماد “صيرفة” خاصة لرواتب القطاع العام.

اضراب مفتوح

وفي حديث سابق لـ “لبنان الكبير” لم يستبعد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أبداً حصول اضراب شامل يضم مختلف الفئات على أرض الوطن، معتبراً أن الاضرابات القطاعية الفردية قد لا تؤدي الى نتيجة وأن الاضراب المفتوح لأيام عدة قد يكون الخيار الوحيد. وشدد على وجوب تضافر الجهود والتوافق بين الاتحاد العمالي والنقابات بخصوص ذلك، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار، مشيراً الى أنه باشر باتصالاته مع المعنيين، في ظل الارتفاع اليومي لأسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات وغيرها.

وها نحن اليوم في آذار 2023، ولا تزال الأزمة تشتد وتستفحل من دون رادع، أو وجود حلول توقف الانهيار الحاصل وتضع حداً له، خصوصاً بعد التدهور الكبير في سعر صرف الليرة امام الدولار، وتآكل القدرة الشرائية لدى مختلف فئات الشعب من موظفين وعمال، اذ لا تتجاوز قيمة رواتبهم الخمسين دولاراً مع المساعدات والتقديمات التي وعدت الحكومة بإعطائها للموظفين سعياً الى تأمين استمراريتهم.

شارك المقال