الليرة اللبنانية… ضحية لعبة الأصفار

سوليكا علاء الدين

على الرغم من إرجاء البتّ في مشروع القانون المعجّل الرامي إلى تعديل المادتين الخامسة والسابعة والأربعين من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي المتعلّقتين بفئات الأوراق النقدية ومنح “المركزي” دون سواه امتياز إصدار النقد بعد أن كان مُدرجاً على جدول أعمال مجلس الوزراء نهار الثلاثاء الفائت، إلاّ أنّ العديد من الخبراء الاقتصاديين يعتبرون أنّ هذه الخطوة المُوجعة في حق الليرة سوف تبصر النور عاجلاً أم آجلاً وأنّ مرحلة طباعة ورقتي الـ500 ألف والمليون ليرة لبنانية قد شارفت على الانتهاء، وبالتالي، فإنّ عمليّة طرحهما في الأسواق تنتظر ساعة الصفر فقط.

إذاً، تستعد العملة الوطنية وراء الكواليس لخوض غمار لعبة “الأصفار الجديدة” التي ستتمّ زيادتها على أوراقها مع ما يحمله ذلك من تداعيات سلبية على الوضع النقدي والاقتصادي المُتداعي، إذ أنّ طباعة فئات أكبر من الأوراق النقدية ما هو إلّا مؤشر واضح وانعكاس صريح لفداحة الضرر الذي لحق بالليرة اللبنانية، وأدّى إلى إنهيار لا مثيل له في سعر صرفها مقابل الدولار وإلى غلاء فاحش في الأسعار وارتفاع نسب التضخم. فالفئات الصغيرة من العملة الوطنية المُنهارة من الألف ليرة حتى المئة ألف ليرة باتت غير كافية للتداول وغير قادرة على تأمين السلع والخدمات ذاتها التي كانت تشتريها قبل بدء الأزمة نتيجة تدهور قيمتها بعد أن أصبحت كلفة طباعتها أكبر بكثير من قيمتها الشرائية. كما أنّ أوراق العملة المُتهالكة لم تعد تتّسع في محافظ المواطنين الصغيرة، فورقة المئة ألف أصبحت تساوي ما يقارب الدولار الواحد حسب سعر الصرف الحالي، الأمر الذي يُعطي ذريعة لطرح هذه الفئات الكبيرة من أجل التخفيف من حمل كميات نقدية كثيرة. فإصدار فئات تحمل ستة أرقام من شأنه تسريع إنجاز عمليات الشراء والبيع والتسوّق وسداد الالتزامات والمستحقات المالية وبالتالي تسهيل حركة السيولة والتداول والمعاملات التجارية، بالإضافة إلى أنّ إقرار الحكومة زيادة رواتب وأجور القطاع العام، يحتّم على الدولة إيجاد مصدر جديد لتمويل نفقاتها وتغطية قيمة المساعدات المالية المُقرّرة. لذلك، فإنّ طباعة عملة من فئات كبيرة من شأنها أن تخفّف من هذا العبء ومن تكلفة طباعة الأوراق النقدية الصغيرة.

من ناحية أخرى، إنّ إصدار ورقة الـ 500 ألف والمليون ليرة سوف يساهم في زيادة حجم الكتلة النقدية وزيادة كميات الليرة المتداولة في الأسواق. فوجود هذه الفئات الكبيرة يعني تراجع القيمة الحقيقية للنقد بحيث تُصبح الليرة مجرّد أوراق، وزنها ضئيل وقيمتها المالية ضعيفة. كما أنّ زيادة فئات العملة الكبيرة من خلال إضافة الأصفار تعني زيادة في الرواتب والأجور وارتفاعاً جنونياً في الأسعار، ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور في سعر الصرف وإلى بدء فصل جديد من فصول انهيار الليرة وخسارتها لقيمتها المتزامن مع فقدان تام للثقة بالعملة الوطنية والتي قد تتطلّب استعادتها سنوات وسنوات.

على مدى أربع سنوات والليرة اللبنانية تُتابع مشوارها المأساوي وانهيارها الدراماتيكي، مشوار فقدت خلاله أكثر من 95 في المئة من قيمتها، بنسبة بلغت أكثر من 60 في المئة مما كانت عليه قبل بدء الأزمة في خريف الـ2019. وفي ظل استمرار هذا التردّي والتخبّط، لا شيء إيجابي يلوح في الأفق من شأنه أن يردع هذا المسار الانحداري لليرة لا سيمّا مع اعتماد أنصاف الحلول والطرق الملتوية في إدارة الأزمات ومعالجتها، والفشل المتواصل في الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة قادرة على القيام بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة وإعادة إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة. فالشروع في اتخاذ خيار كهذا من دون وضع خطة إنقاذ اقتصادية ونقدية للبلاد هو خيار عشوائي ومضرّ بالاقتصاد والليرة معاً، إذ كان يُفضّل العمل على معالجة جذور المشكلة الحقيقية من أجل استرجاع قيمة العملة أو التخفيف من تدهورها بدل اللجوء إلى لعبة أصفار، تكون الليرة فيها الضحيّة والخاسر الأكبر.

شارك المقال