“هزة عصا” للدولار عالمياً… هل البديل متوافر؟

هدى علاء الدين

يرتبط الدولار ارتباطاً وثيقاً بقوة الولايات المتحدة الأميركية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فعلى مدى عقود كان عملة آمنة ذات مخاطر قليلة ومخزناً مهماً للقيمة وأداة فاعلة للتحوط من الأزمات. إذ بالأرقام، يشكل الدولار ما نسبته 60 في المئة من احتياطيات العملات العالمية في حين أن 90 في المئة من التجارة الدولية تتم بالدولار. كما أن السندات الأميركية تُعد من أكبر الأسواق وأكثرها سيولة في العالم، فضلاً عن أن الاقتصاد الأميركي يبلغ تقريباً مجموع حجم الاقتصادات الثلاثة الكبرى.

وعلى الرغم من قوة الدولار في عالم العملات، إلا أنه تسبب في الفترة الأخيرة بزيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بالتوازي مع تأثره بصورة مباشرة بجائحة كورونا والعقوبات على روسيا والحرب التجارية بين أميركا والصين، الأمر الذي أفقده بعضاً من الثقة به، بحيث يشهد العالم في الآونة الأخيرة تحركات متسارعة وإجراءات استثنائية تهدف إلى تقويضه والحد من قوته ومن هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.

ومع بدء المساعي جدياً لا سيما من دول البريكس لإيجاد عملة بديلة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الاستغلال الأميركي للدولار كوسيلة للعقوبات، أصبح العالم منقسماً إلى محورين رئيسين يخوضان حرباً اقتصادية باردة يتمثلان في محور الشرق بقيادة الصين وروسيا ومحور الغرب بقيادة الولايات المتحدة. فقد أدى تراجع نسبة احتياطي الدولار في العالم من 71 في المئة عام 1991 إلى ما دون الـ 58 في المئة اليوم إلى فتح المجال أمام العملات المنافسة للدولار لدخول معترك كبار العملات لا سيما اليورو الذي سجل ما نسبته 20 في المئة من مجموع احتياطي العملات ليحجز مكاناً ثابتاً خلف الدولار، يتبعه كل من الين الياباني واليوان الصيني والجنيه الاسترليني ومن ثم العملات الرقمية التي لا تزال غير خاضعة لمراقبة البنوك المركزية. من جهة أخرى، فإن تدهور العملة الوطنية أمام الدولار في بعض الدول، جعلها تُفكر بجدية في ضرورة إيجاد عملة أخرى بديلة في مسعى منها الى خفض اعتمادها على العملة الخضراء.

تجدر الاشارة إلى أن بعض الدول بدأ فعلاً باتخاذ إجراءات التخلي عن الدولار. على سبيل المثال، تخلي الصين عن التعامل بالدولار مع روسيا وباكستان، بدء بعض البنوك المركزية بحيازة الذهب وتقليص نسبة الدولار في احتياطاتها الأجنبية، اتفاق الصين والبرازيل على استخدام اليوان والريال في عمليات التبادل التجاري، اتفاق الهند وماليزيا على استخدام الروبية في التعاملات التجارية. أما عربياً، فهناك دول تتجه إلى استخدام اليوان الصيني خصوصاً بعد اتفاق الصين مع السعودية، إذ يبدو واضحاً أن هناك انفتاحاً واسعاً بإتجاهها. وبالتالي، فإن كل هذه المؤشرات والتي تدل بصورة واضحة على وجود نية لناحية التقليل من الاعتماد على الدولار في المعاملات التجارية واستخدام عملات محلية، ستضغط بلا شك على قيمة الدولار عالمياً.

هل الدولار بمأمن من الانهيار اليوم؟

يكمن الخطر في ما إذا دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة طويلة من الركود وإذا ما تراجع سعر الفائدة على الدولار، وفي حال أصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن سداد ديونها التي تتجاوز الـ 30 تريليون دولار، أو تعرّض قطاعها المصرفي إلى خضة مالية جديدة كما حصل مؤخراً. كما أن استمرار البنك الفديرالي في رفع سعر الفائدة من أجل لجم معدلات التضخم سيكون له تداعياته على قيمة الدولار وسيزيد المخاوف من حصول ركود انكماشي، مع الاشارة إلى أن فرض العقوبات الاقتصادية خصوصاً على روسيا سيكون له أيضاً انعكاسات خطيرة على المدى الطويل كما جاء على لسان وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.

وعما إذا كانت هناك عملة بديلة قد تُطيح بالدولار في القريب العاجل، لا يبدو أن ذلك متاح في المدى القصير، فحتى الآن لا بديل عن الدولار طالما أن السلع الرئيسة والنفط والغاز جميعها يتم بيعها وشراؤها به، ليكون الحديث عن عملة بديلة في المدى القصير غير وارد حالياً لا سيما وأن ذلك يحتاج إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي (بنسبة ٨٥ في المئة من مجموع الأصوات). صحيح أنه لا يمكن للدولار أن ينهار في ليلة وضحاها لا سيما مع وجود استثمارات عالمية كبيرة بالدولار في معظم السلع الأساسية وفي المعادن وفي احتياطيات البنوك المركزية (حتى الصين نفسها لديها استثمارات في البنوك الأميركية)، إلا أنه لا يمكن التغافل عما يحدث للعملة الخضراء عالمياً، ويمكن اعتباره بمثابة “هزة عصا” للدولار وسط محاولات حثيثة لتهيئة الأرضية لنظام اقتصادي مالي جديد بعيداً عن الهيمنة الأميركية، تقودها روسيا والصين التي نجحت بعد سنوات من المساعي الجادة في دخول سلة عملات حقوق السحب الخاصة ومن ثم لاحقاً زيادة حصتها فيها.

يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة لا تقبل وجود أي منافس لها في النظام الاقتصادي العالمي، وفي سبيل القضاء على منافسيها تعمد أحياناً إلى اتخاذ قرارات وإجراءات تؤثر بالدرجة الأولى عليها سلباً، ليتحوّل بذلك الدولار إلى سلاح اقتصادي في وجه دول عدة بعد أن كان ملاذاً آمناً للعديد منها تدفع الولايات المتحدة ثمن استخدامه تراجعاً في قيمته وتقلصاً في الثقة به.

شارك المقال