استقرار الليرة رهن ملء “كرسي الرئاسة والحاكميّة”

سوليكا علاء الدين

تتجه أنظار اللبنانيين إلى فرنسا وتحديداً نحو قضية استجواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المُقرّرة في السادس عشر من الجاري لمعرفة تداعيات هذه الدعوى على الوضع النقدي والمالي سواء قَبل بالمثول أمام القضاء الفرنسي في قصر عدل باريس أم لا. وتردّدت أصداء مقرّبة من الحاكم عن عدم وجود نيّة الحضور لديه تخوّفاً من امكان توقيفه، ومتذرّعاً بعدم اكتمال اجراءات رفع منع السفر عنه الصادر عن القاضية غادة عون في نيسان الماضي. وفي هذا الاطار، حذّر “المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان” من مغبّة “تورّط” القضاء اللبناني في مساعدة حاكم “المركزي” لعدم السفر إلى فرنسا وحضور جلسة الاستماع إليه. ففي حال عدم الامتثال أمام القاضية الفرنسية، من المرجّح أن تصدر مذكّرة توقيف دولية غيابية بحقّه؛ وإرسالها عبر الانتربول إلى لبنان الذي سيكون ملزماً بتسليمه بعد أن يتحوّل رسمياً إلى مطلوب للعدالة.

وبانتظار القرار الذي سوف يتّخذه الحاكم، هناك أيضاَ قرار آخر لا يزال رهن الانتظار. ففي تموز المقبل تنتهي ولاية سلامة التي دامت 30 عاماً، تاركة السيناريوهات مفتوحةً وغامضة أمام مصير الحاكميّة في حال الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية قبل موعد نهاية الولاية. فالتمديد غير وارد وسلامة لا يُريد البقاء في منصبه، كما أنّ نائب الحاكم الأول وسيم منصوري لا يرغب في استلام هذه المهمّة، وحتى اليوم لم يتمّ الاتفاق على إسم جديد على الرغم من توالي اللقاءات والمُشاورات وتسارع التحركات والمستجدّات في ملف الشغور الرئاسي وانبعاث شرارات إيجابية دفعت برئيس مجلس النوّاب نبيه برّي إلى التشديد على “وجوب إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية كحد أقصى في 15 حزيران المقبل، اذ لا أحد يمكن أن يعرف الى أين يتجه البلد من خلال الإمعان في حالة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية”. ومع كل هذا الحراك لكسر الجمود السياسي وملء سدّة الرئاسة قبل مُغادرة الحاكم، يبقى التخوّف من أن تُصيب عدوى الفراغ منصب الحاكميّة المسؤولة عن إدارة “المركزي” والمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي سيّد الموقف مع ما يحمله هذا الشغور من انعكاسات سلبية وضغوط إضافيّة على العملة الوطنية المُنهارة.

إذاً، الظروف الاستثنائية والمصيريّة التي يمرّ بها لبنان، لا تتحمّل حصول هزّات مالية ونقدية إضافيّة وتُحتّم ضرورة الاسراع في تعيين خلف لسلامة قادر على إعادة كسب الثقة الداخلية والخارجية في القطاعين المالي والمصرفي ومعالجة تدهور سعر الصرف عبر تعاميم مُجدية وقرارات فاعلة من شأنها أن تلجم تفلّت الدولار وتضبط سوق المال وتُعيد استقرار النقد الحقيقي وتوازن الليرة اللبنانية المُهدّدة بمزيد من التدهور في سعر صرفها مع استحقاق انتهاء ولاية الحاكم. فعلى مدى سنوات الأزمة، فقدت الليرة ما يقارب الـ98 في المئة من قيمتها أي 60 مرة أكثر مما كانت عليه عشيّة اندلاع ثورة 17 تشرين الاول عام 2019، مسجّلة في الـ2023 أسوأ أداء لها في العالم بعد تخطّيها حاجز الـ140 ألف ليرة للدولار الواحد في آذار الماضي قبل أن يقوم مصرف لبنان بالتدخّل في سوق القطع للجم الدولار وضبطه تحت عتبة الـ100 ألف ليرة. لكنّ هذه التعاميم الترقيعيّة لم تكن كافية لتهدئة السوق بحيث لم ينجح “المركزي” في إحكام سيطرته على دولار السوق السوداء بصورة كاملة، بل كانت مجرّد جرعات تخديرية إفساحاً في المجال أمام الليرة لالتقاط أنفاسها التي قد تنقطع نهائيّاً في حال عدم تعيين حاكم لمصرف لبنان.

على وقع التطورات القضائية المُرتقبة والتسوية السياسية المقبلة وما ستحملها من انتكاسات أو انفراجات على الساحة اللبنانية، تبقى العيون شاخصة باتجاه “كرسي الرئاسة الأولى” و”كرسي الحاكميّة” اللذين سيحددّان مصير الليرة اللبنانية ومسارها، فالفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعني الفشل في تعيين حاكم جديد لـ “المركزي”، وبالتالي، مواصلة الغرق في دوامة الأزمة ومتابعة السير في طريق الانهيار واستمرار فقدان الثقة بالعملة الوطنية التي سوف تُتابع شقّ طريقها السريع نحو المجهول والانزلاق نحو قعر جديد من السقوط والتقهقر بلا هوادة.

شارك المقال