رغيفنا المسكين

هدى علاء الدين

تتسارع خطوات رفع الدعم لتصيب سهامها رغيف الخبز، قوت الفقير الذي يبدو أنه سيصبح في القريب العاجل قوت من استطاع إليه سبيلاً. فالانهيار الاقتصادي الذي وصل إلى مستويات غير مألوفة، ضرب ربطة الخبز التي وصلت إلى 3000 ليرة. وإن كان هناك ثمة من يجزم بضرورة رفع الدعم عن المواد التي يتم تهريبها عبر الحدود، إلا أن المسّ بمعيشة المواطن ورغيف خبزه هو أسوأ أنواع الموت البطيء وأكثر الجرائم المعيشية فتكاً وخطورةً.

قرارت رفع الدعم العشوائية والمشوّهة عن الخبز بدأت فصولها منذ شباط 2020، فجاء شهر حزيران 2021 دون أي خطة مدروسة، لتجعل من الانفجار الاجتماعي قاب قوسين أو أدنى. ولعل آخر فصولها ما أعلنه وزير الاقتصاد والتجارة عن رفع سعر ربطة الخبز بذريعة توقف مصرف لبنان عن دعم مادة السكر، محدداً في جدولٍ أسبوعي سعر ووزن ربطة الخبز الأبيض الكبيرة بـ 3000 ليرة كحدّ أقصى على أن لا يقل وزنها عن 910 غرامات، وربطة حجم وسط بسعر 2000 ليرة كحدٍ أقصى على أن لا يقل وزنها عن 395 غراماً، أي بزيادة بلغت الـ 100 في المئة عن سعرها العام الماضي.

بالأمس، قالها مصرف لبنان واليوم حان وقت التنفيذ، فالمصرف الذي يدعم استيراد العديد من المواد الأساسية عبر تأمين الدولار إلى المستوردين وفق سعر الصرف الرسمي (1.510ليرات)، في وقت تخطى فيه سعر الصرف في السوق السوداء الـ 15000 ليرة، قد يصبح في الأسابيع المقبلة غير قادر حتى على تأمينه على سعر 3900 ليرة. وهنا يُطرح السؤال ماذا لو تم استيراد القمح على سعر صرف السوق السوداء؟ وكيف سينعكس ذلك على سعر ربطة الخبز؟

إنّ رفع الدعم عن سلعة أساسية كالخبز أو عن مواد تصنيعه يحتاج أولاً إلى حس بالمسؤولية تجاه المواطن الذي أنهكته قرارات رفع الدعم المتتالية، وثانياً إلى حلول بديلة تتمثل  بإقرار البطاقة التمويلية لتخفف من الأعباء المعيشية، بطاقة تجوب اللجان والمجالس دون أي جدوى حتى الآن ويحوم مع تأخير العمل بها شبح الجوع والفقر أكثر فأكثر.

“عُض قلبي ولا تعض رغيفي إن قلبي على الرغيف رهيف”.. هذه هي حال رغيفنا المسكين الذي كان بالأمس رهينة سعر القمح في البورصة العالمية، ومن ثم ارتفاع سعر صرف الدولار والمحروقات، واليوم يقع رهينة السكر الذي بات بطعم المرارة وغداً قد يكون رهينة الخميرة والماء وأكياس النايلون التوضيبية. قصة رغيفنا المسكين هذه تُشبه قصة المواطن المغلوب على أمره الذي تُسلب منه مقومات العيش رويداً رويداً، ليكونا سوية ضحية سوء تصريف أعمال يتجاهل لقمة العيش ووجع الناس ويعبث بجيب المواطن الفارغة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً