النكايات السياسية تُفرمل إصلاح الاقتصاد

سوليكا علاء الدين

على الرغم من المصالحات والمهادنات التي خيّمت على المنطقة العربية لا سيما بعد التقارب السعودي – السوري والسعودي – الايراني، إلا أنّ هذا الوفاق العربي لم ينعكس حتى الآن إيجاباً على الساحة الداخلية اللبنانية. فمن يُتابع يوميات السياسة في لبنان، يُلاحظ عدم وجود إرادة حقيقية بين سائر الفرقاء للاتفاق في ما بينهم أو أقلًه مدّ يد التلاقي للمساعي والجهود الخارجية. فالمناكفات والنكايات والمناورات التي تخوضها القوى المتصارعة على حلبة رئاسة الجمهورية وإعلان مرشحين من هنا ومرشحين مضادين من هناك، تزيد من حدّة الانقسام الحاصل وتهدر المزيد من الوقت وتعرقل الخطوات تجاه إمكان إيجاد أي مخرج للأزمة الراهنة.

نوبات التشنج والتوتّر هذه ألقت بظلالها على قصر عين التينة الذي لفتت مصادره إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في حال عدم توافر فرص التوافق بين الكتل السياسية، مُعتبراً أن ترشيح مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وزير المال السابق جهاد أزعور من القوى المُعارضة ما هو إلّا استمرار للأزمة وإطالة أمد الفراغ وعرقلة مسار انتخاب الرئيس وقطع الطريق على الوزير السابق سليمان فرنجية، لا بل هو تحدٍ ومخطّط تخريبي ورهان خاسر من شأنه أن يضرب الشراكة الوطنية والاستقرار الداخلي. هذا يعني، أنّ لا جلسة من دون تسوية على اسم الرئيس الجديد.

هذا على الصعيد النيابي، أمّا على المستوى الوزاري، فالوضع ليس أفضل حالاً، اذ على وقع تسلّم لبنان مذكرة اعتقال من منظمة الشرطة الدولية “الانتربول” بحق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بسبب تخلّفه عن حضور جلسة الاستماع إليه في فرنسا، ظهرت إلى العلن بيانات صحافية وتصريحات حكومية تطالب سلامة بالاستقالة الطوعية بعدما كانت تتمسّك به كونه ضرورة اقتصادية للبلاد. هذه المُطالبة قابلها إصرار وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري على تعيين محامين فرنسيين لتمثيل الدولة اللبنانية أمام القضاء الفرنسي، خلال الجلسات المخصّصة للنظر في قضية الحجز على أملاك عائدة للحاكم، وبالتالي رفضه حضور جلسة مجلس الوزراء المخصصة لبحث هذه المسألة يوم أمس الأربعاء، ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تأجيل الجلسة الحكومية بسبب تغيّب الوزير محمّلاً إيّاه مسؤولية دستورية وقانونية وأخلاقية عن أي ضرر قد يطال مصلحة الدولة العليا. مع الاشارة إلى عدم وجود أي توجّه واضح وصريح لدى السلطات اللبنانية بإقالة سلامة من منصبه لغاية اليوم، لا سيما وأنّ اتخاذ قرار كهذا من حكومة تصريف أعمال يبقى عرضة لسجالات قانونية وإشكالات سياسية في ظل ما يشهده لبنان من شغور رئاسي وويلات اقتصادية ونقدية ومالية واجتماعية.

سبعة أشهر مرّت على الشغور الرئاسي ولا تزال الانقسامات والحسابات السياسية الضيّقة تقف حاجزاً أمام أي انفراجات مُحتملة لتُضاعف بذلك حدّة الأزمة الاقتصادية وتُضيّع على لبنان فرصة الافادة من الأجواء التّفاؤليّة الطاغية، لإعادة تحريك عجلة الانتاج والنمو لاقتصاد مُنهك يُعاني من انهيار مُتسارع وانكماش حاد، وهو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار والتعافي. فإبقاء البلاد في دوامة الفراغ من شأنه أن يؤخّر التوصل إلى حل للأزمة والإخلال بتنفيذ الاصلاحات الضرورية للحصول على الدعم المالي والمساعدات الاقتصادية المنشودة، الأمر الذي يعمّق محنة اللبنانيين ويرفع من منسوب معاناتهم.

شارك المقال