البطاقة التمويلية… العبرة في التنفيذ

هدى علاء الدين

بعد جولات من المناقشات والأخذ والرد، أقر مجلس النواب قانون البطاقة التمويلية لمساعدة الأسر الأكثر فقراً بمبلغ شهري يتراوح بين 93 دولاراً إلى 126 دولاراً وبقيمة إجمالية تبلغ 556 مليون دولار لمدة عام واحد، في حين ألقى على عاتق الحكومة مهمة تمويلها التي تعهدت بتنفيذ خطة ترشيد الدعم لتنخفض قيمته من 6 مليارات دولار سنوياً إلى 2.5 مليار دولار.

وفي حديث لها مع موقع “لبنان الكبير” أشارت الصحافية والخبيرة الاقتصادية هلا صغبيني، إلى أن الصيغة التي وافق عليها مجلس النواب لا تحتوي على تفاصيل وافية حول كيفية مراقبة توزيع البطاقة التمويلية، وما هي المعايير التي ستُتبع من أجل الاستفادة منها، وما هي المعايير التي على أساسها سيتم اختيار الأسر الأكثر فقراً وكيف سيتم تمييزها عن تلك التي فعلاُ تعيش في فقر مدقع؟ والأهم من ذلك يبقى السؤال حول من سيُشرف على إدارة آلية التوزيع بشكل عادل ومنصف إذا ما تم اعتمادها بشكل نهائي وتأمنت لها مصادر التمويل، ومن سيتولى عملية توزيعها، وكيف سيتم إدارة العمليات المالية لها.

وعن آلية استهداف الأسر الأكثر فقراً، تقول صغبيني إنها عملية جدّ معقدة إدارياً ولوجستياً وتنظيمياً، ولا يتوفر فريق عمل كافٍ من أجل إحصاء جميع هذه الأسر. كما أنها ستستغرق وقتاً كثيراُ للتنفيذ، في ظل وجود إحصاءات من جهات مختلفة أبرزها تلك الصادرة عن البنك الدولي ووزارة الشؤون الاجتماعية، إذ سيُغطي قرض البنك الدولي الذي تبلغ قيمته 246 مليون دولار 160 ألف عائلة، بينما سيُغطي برنامج دعم العائلات الأكثر فقراً 70 ألف عائلة. وهنا تسأل صغبيني: “كيف سيتم التعاطي معها وتوحيدها لتفادي مشكلة الإزدواجية في الإحصاءات”.

صحيحٌ أن المجلس النيابي أقرّ فتح اعتماد للبطاقة بملغ 556 مليون دولار، إنما يبقى إيجاد المصادر المالية اللازمة لتمويلها من أكثر العقبات التي ستواجه تنفيذها، لا سيما وأن مصرف لبنان غير موافق تماماً على تأمين هذا المبلغ عبر المس باحتياطه الإلزامي. كما أن تمويلها من قرض للبنك الدولي كان مخصصاً لمشاريع سابقة لم تُنفذ، يشكل أيضاً تحدياً هاماً وخطوة غير مضمونة في ظل عدم موافقة البنك عليها. وفي حال أبدى موافقته، فإن آلية التنفيذ ستحتاج إلى وقت طويل، إذ عليها أن تمرّ أولاً عبر مجلس المدراء التنفيذيين في البنك الدولي من أجل إعطاء الموافقة وتحويل المبلغ اللازم إلى لبنان.

أما بالنسبة للـ 246 مليون دولار، فلغاية الآن لم يوافق البنك الدولي على منحه للبنان، لا سيما بعد أن أقرّ مجلس النواب اللبناني تعديلات على الاتفاقية الأساسية بملحق بعد اعتراض نواب حزب الله على عدد من بنودها، وهو ما يعتبر اعتراضاً غير قانوني انطلاقاً من أن اتفاق القروض والهبات والمساعدات المالية من الدول المانحة والمؤسسات الدولية لا يحق لمجلس النواب إجراء أي تعديل عليها، إنما يحق له فقط قبول أو رفض صيغتها الأساسية بعد أن تنال توقيع وزير المالية والجهة المسؤولة عن القرض.

وبحسب صغبيني، فإنه عندما طالب البنك الدولي بضرورة رفع الدعم في لبنان مقابل إعطاء بطاقة أو تأمين شبكة أمان إجتماعي كي يستطيع المواطن اللبناني تجاوز المحن والأزمات المالية والمعيشية التي يمرّ بها، كان ذلك مقابل خمس سنوات. أما اليوم، فقد حدّد قانون إقرار البطاقة التمويلية مدّة لا تتخطى السنة الواحدة فقط، كما أنه لم يضع أي تصوّر للسنة المقبلة أو عن كيفية استمرارها.

وفي ما يتعلّق بالـ 900 مليون دولار التي وافق صندوق النقد الدولي البحث في تخصيصها للبنان بموجب بند “تخصيص حقوق السحب الخاصة”، والتي هي من حق أعضاء صندوق النقد، تؤكد صغبيني أن هذا المبلغ هو من حق مصرف لبنان لتعزيز احتياطاته بالعملة الأجنبية، وليس لهكذا نوع من المساعدات. وبالتالي، لا يجب أن يُعوّل كثيراً على مساهمة هذا المبلغ في تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي أو تمويل البطاقة المنشودة.

إذاً، يُحيط بعملية إقرار البطاقة التمويلية الكثير من الغموض وعدم الوضوح، وبالرغم من أن مجلس النواب قد ألقى كرة تمويلها إلى الحكومة، إلا أن العبرة تبقى في التنفيذ. فهل ستنجح الحكومة في هذه المهمة أم سيبقى هذا القانون مجرّد حبرٍ على ورق؟

شارك المقال