أي رئيس يحتاجه لبنان؟

هدى علاء الدين

بين الواقع السياسي العبثي والأزمة الاقتصادية المشبعة، تكثر التساؤلات حول هوية رئيس الجمهورية المقبل، لا سيما أن الاختيار بين رئيس ذي طابع سياسي حزبي ورئيس برؤية اقتصادية يقود لبنان نحو الانقاذ المنشود، سيكون الأصعب في ظل رأيين متناقضين، الأول يدعو إلى رئيس سياسي قوي قادر على إعادة بناء ما تصدع من الوحدة الوطنية واستعادة الاستقرار السياسي، مقابل من يرى ضرورة تولي منصب الرئاسة شخصية لديها رؤية اقتصادية قوية تمكنها من تنفيذ إصلاحات حاسمة تنعش لبنان من جديد في قطاعاته كافة وتحفز النمو الاقتصادي.

خلال السنوات الأربع الأخيرة، فرضت الأزمة الاقتصادية واقعاً جديداً لم يشهده لبنان في زمن الحروب والويلات، حتى باتت الحاجة إلى شخصية قادرة على التعامل مع تداعيات هذه الأزمة وانعكاساتها بصورة فاعلة أكثر من ملحة، إلى جانب تمتعها بالرغبة الحقيقية والقدرة على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاحات الجذرية التي طال تنفيذها. فلبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة وترتفع فيه معدلات التضخم والبطالة نتيجة انهيار عملته الوطنية، يُساعد وجود رئيس ذي رؤية اقتصادية قوية وخبرة كافية ومعرفة عن كثب بالسياسات الاقتصادية والتعامل بحنكة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية، في وضع استراتيجيات على المدى القصير تُعزز النمو وتجذب الاستثمارات الأجنبية التي تسهم في تنشيط الاقتصاد وتوفير العملة الأجنبية في السوق. وعليه، تكون الرؤية الاقتصادية والتخطيط الاستراتيجي أبرز سمتي رئيس لبنان القادم من دون التغافل عن امتلاكه القدرة على إدارة الأزمات بفاعلية واتخاذ القرارات الصعبة والملائمة لمصلحة اللبنانيين، وبناء التحالفات ومدّ قنوات التواصل بين الأطراف السياسية كافة بحيث يكون مصدراً للاطمئنان والثقة داخلياً وخارجياً.

وانطلاقاً من الواقع الاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون ورغبتهم في انتخاب رئيس يلبي طموحاتهم، ينتظر الرئيس الجديد تحديات كثيرة تتطلب إجراءات جذرية تقوم على تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة وإصلاح النظام المصرفي عبر إعادة هيكلته وضمان حقوق المودعين وتحسين إدارة المالية والضريبية، إلى جانب إعادة هيكلة الدين العام وإدارته بطريقة مستدامة وتقليل عبئه المالي والتفاوض مع الدائنين لما فيه مصلحة لموقع لبنان المالي الذي حُرم منه جراء أزماته، فضلاً عن تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة تبدأ بالقطاع العام والمؤسسات الحكومية والتخلص من الاجراءات البيروقراطية وتحسين البنية التحتية وتعزيز القطاعات الاقتصادية الحيوية التي تمثل الثقل الكبير لإيرادات الدولة.

تبقى الإشارة إلى أن وجود رئيس يمتلك رؤية اقتصادية لا يعني تجاهل الجوانب السياسية التي تُشكل عاملاً رئيساً في تهيئة الأرضية الخصبة والبيئة الملائمة لنجاح الاصلاحات اللازمة وتطبيق السياسات النقدية كسبيل وحيد للتعافي. إلا أن الأولوية الاقتصادية اليوم تتقدم على المصلحة السياسية، بحيث تتطلب التحديات الاقتصادية والمالية تركيزاً كبيراً بعيداً عن النكايات وتصفية الحسابات السياسية الضيقة التي أوصلت لبنان إلى قعر الانهيار، ليكون انتخاب رئيس للجمهورية قوياً اقتصادياً ومن ثم سياسياً خطوة مهمة نحو الحل والتغيير الاقتصادي الايجابي.

شارك المقال