الرواتب والدواء مقابل التشريع… هل يكسب منصوري رهانه؟

سوليكا علاء الدين

شدّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في مؤتمره الصحافي الأوّل على فرض قيود صارمة على عمليّات إقراض مصرف لبنان الدولة اللبنانية المُثقلة بالديون، مؤكّداً ضرورة وقف هذا الاستنزاف وعدم توقيعه أيّ صرف من أجل تمويل الحكومة خارج قناعاته وخارج الاطار القانوني المناسب لذلك. وأشار منصوري إلى أنّ الاستمرار في نهج السياسات السابقة وغير المُستدامة في ظل إمكانات “المركزي” المحدودة، تُحتّم ضرورة الانتقال إلى التوقّف عن تمويل الدولة بالكامل، لافتاً إلى أنّ هذا القرار لا يُمكن تنفيذه بصورة مفاجئة، بل يتطلّب الحصول على تعاون قانوني مُتكامل بين الحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان ضمن خطّة مُتكاملة تضمن إعادة الأموال إلى “المركزي”.

وساهمت العلاقة بين الدولة ومصرف لبنان في السماح للحكومة بإيداع إيراداتها سواء بالدولار الأميركي أو بأي عملة نقدية صعبة أخرى لدى المصرف مُقابل استبدالها بأموال بالليرة اللبنانية تُساوي القيمة نفسها من أجل سداد التزاماتها الداخليّة، بحيث أسهمت هذه الخطوة في إنشاء حساب للدولة في “المركزي” بالليرة اللبنانية. أمّا في ما يتعلّق بالتعاملات الخارجيّة، فالحكومة كان لها الحق في سحب احتياجاتها من حسابها بالليرة اللبنانية واستبدالها بالدولار من مصرف لبنان، أي أنّ الدولة كانت تحصل على الدولار مقابل الليرة. هذه السياسة بقيت سارية المفعول حتى العام 2007، وذلك عقب إعلان “المركزي” في ميزانيّته العموميّة توقّفه عن بيع الدولارات للدولة مقابل الليرة اللبنانيّة، ليقوم بعدها باعتماد سياسة إقراضها مستلزماتها من الدولار.

ومع انتهاء ولاية رياض سلامة وفي ظل تفاقم الأزمة المالية والنقدية وتقلّبات الليرة اللبنانية وتراجع الاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان، طالب منصوري- كشرط لتولّيه مهام الحاكم – بإقرار قانون يسمح باقتراض الحكومة من أجل تمويل التوظيفات الالزاميّة على أن يكون صادراً عن مجلس النواب وتحت رقابته. وبهذا، يكون قد رمى كرة تأمين إطار تشريعي وقانوني لعمليّة تمويل نفقات الدولة ومُستلزماتها عبر الإقتراض من الاحتياطي الالزامي لـ”المركزي” في ملعب حكومة تصريف الأعمال. الحكومة بدورها أعادت رمي الكرة في ملعب المجلس النيابي وذلك بعد إعلان الرئيس نجيب ميقاتي أنّ المشروع يجب أن يصدر عن البرلمان بموجب اقتراح قانون يتبناه عدد من النواب ليرفع إلى المجلس. الرد المُضاد جاء من المُعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب علي حسن خليل الذي دعا إلى ضرورة التزام ميقاتي تعهّده وإرسال مشروع قانون الاقتراض إلى البرلمان مُتضمّناً حاجات الحكومة وآليات السداد. وكان ميقاتي أشار بصريح العبارة إلى أنّ لا دواء ولا رواتب آخر الشهر في حال عدم إقرار الخطّة التي تقدّم بها نواب الحاكم والتي تتعهّد بتأمين الدولارات للحكومة بالحد الأدنى شرط إقرار جملة من المشاريع الاصلاحية.

التنصّل من المسؤوليات والتجاذبات الحاصلة بين مجلس الوزراء ومجلس النواب حول مشروع قانون الإقتراض أظهر من جديد حدّة الانقسامات واختلاف الآراء بين الأطراف السياسية وعدم قدرتها على الإتفاق والتلاقي لإنجاز أي من الاستحقاقات المصيريّة أو حتى المشاريع المُقترحة. وما يزيد الطين بلّة، هو الجدل البيزنطي القائم حول دور الرئاستين الثانية والثالثة في ظل شغور الرئاسة الأولى. فالحكومة الحالية تقوم بتصريف الأعمال وبالتالي يعتبر البعض أنّها لا تملك صلاحيّة التقدّم بمشروع القانون. في موازاة ذلك، هناك من يرى أنّ المجلس النيابي بمثابة هيئة انتخابية لا هيئة تشريعيّة تقتصر مهمّته على انتخاب رئيس جديد للجمهورية فقط، ما يعني أنّه لا يحقّ له تشريع القوانين وأنّ أي عقد لجلسة تشريعيّة هو مُخالفة للدستور.

على الرغم من التزام المسؤولين السياسيين بشروط وسيم منصوري من أجل موافقته على تسلّم منصب الحاكميّة، إلاّ أنّهم يتردّدون في حمل عبء هذا القانون ويتقاذفون الكرة في ما بينهم بانتظار من سيتلقّفها في نهاية المطاف. فهل ستقوم الحكومة بإنجاز مشروع القانون وإحالته على البرلمان لمناقشته والتصويت عليه كما تجري العادة؟ وفي حال النجاح في ذلك، هل سيؤمّن النصاب لجلسة تشريعيّة يراها الكثير من النواب غير دستوريّة؟ والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا: هل سيقبل نوّاب الأمة الذين رفعوا راية الدفاع عن أموال المواطنين بتحمّل “ذنب” موافقتهم وتصويتهم على مشروع قانون يُعطي الضوء الأخضر للمساس بما تبقّى من ودائعهم؟

حتى اللحظة، الصورة مُبهمة باستثناء أمر جليّ واحد وهو أنّ أزمة اقتراض الحكومة من مصرف لبنان سوف تُشكّل أولى العقبات في طريق ولاية منصوري الصعبة. وأمام حاكم الانابة المُصرّ على حصوله على تشريع نيابي يُجيز له التصرّف بما لديه من احتياطي الزامي من أجل تمويل الدولة، تحد كبير، فهل سيكسب الرهان وينجح في تأمين غطاء تشريعي يحمي به نفسه من المُساءلة ويُجنّبه تحمّل عواقب الاستدانة من أموال المودعين، أم أنّ السلطة السياسيّة التي حشرها في زاوية مطالبه من أجل دفعها إلى المُباشرة في تنفيذ الاصلاحات سوف تتّبع سياسة الكيل بالمكيالين وتتركه ينتزع وحيداً شوك شرطه بيده في ظل أسوأ انهيار نقدي يمرّ به لبنان؟

شارك المقال