لبنان إلى دائرة التصنيف الأسوأ

هدى علاء الدين

يستمر التصنيف الإئتماني في لبنان بالتراجع بسبب الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي يُعاني منها منذ أربع سنوات.

فقد أدّى تدهور العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض النمو الاقتصادي، وزيادة معدلات البطالة، والتخلف عن سداد اليوروبوند إلى تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني وفي تصنيفه الائتماني، الذي يعكس العجز عن معالجة أزمة الديون بشكل نهائي.

لذا، خفضت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملات الأجنبية للبنان من “CC” إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة “Restricted Default RD”. كذلك خفضت التصنيف الائتمائي قصير الأجل بالعملة المحلية من “C” إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة “RD”.

واعتبرت الوكالة أن لبنان لا يزال في حالة التخلف عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية، بعدما فشلت الحكومة في سداد أصل السندات الدولية المستحقة في 9 آذار 2020، مشيرة إلى أن زيادة العملة المتداولة بأكثر من 100 في المئة منذ حزيران 2022، أدى إلى تفاقم معدلات التضخم التي وصلت إلى 262 في المئة على أساس سنوي في حزيران 2023.

وفي الوقت الذي لم ينشر فيه لبنان أي من الأرقام الرسمية منذ العام 2020، قدّر صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة صفر لعام 2022 بعد انكماش بنسبة 10 في العام 2021، تلاه انخفاض معتدل بنسبة -0.5 في المئة عام 2023، في حين ستعتمد الظروف الاقتصادية في العام 2024 وما بعده على تنفيذ الإصلاحات وإعادة هيكلة الديون بانتظار انتخاب رئيس جديد وتعيين رئيس للحكومة.

كذلك قدّر الصندوق النقد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بـ 509 في المئة في عام 2023، لافتاً إلى أنها ستبقى عند مستويات تتراوح بين الـ 450 في المئة إلى 550 في المئة على المدى المتوسط في ظل غياب الإصلاحات وإعادة الهيكلة، مع الإشارة إلى أنها ستنخفض تدريجياً إلى حوالي الـ 80 في المئة عام 2027 في حال تمت إعادة هيكلة الدين العام في الـ 2024 وامتثال لبنان لبرنامج صندوق النقد الدولي.

وبحسب وكالة التصنيف الإئتماني، فقد اتسع عجز الحساب الجاري إلى 31 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، بعدما سجل 14 في المئة في عام 2021 وذلك على خلفية ارتفاع فاتورة الاستيراد وضعف صادرات السلع، على الرغم من انتعاش السياحة، متوقعة أن تصل في العام الجاري إلى 24 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة تمويلها جزئياً من التحويلات المالية.

واعتبرت “فيتش” أن العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى إجراء تقييم إيجابي، ستعتمد بشكل رئيسي على قدرة لبنان على التوصل إلى اتفاق مع حاملي السندات بشأن إعادة هيكلة ديونه طويلة الأجل بالعملات الأجنبية وإتمام عملية إعادة الهيكلة، على أن تُحدد الوكالة التصنيفات بناءً على تحليل استشرافي لرغبة لبنان وقدرته على احترام التزاماته، سواء بالعملة الأجنبية أو المحلية، فضلاً عن استئنافه دفع الفائدة على حيازات مصرف لبنان من الديون بالعملة المحلية وكذلك خدمة الدين بالعملة المحلية.

يبقى تخفيض التصنيف الائتماني قصير الأجل، من C إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة، دليلاً واضحاً على أن الليرة اللبنانية أصبحت غير قادرة على سداد الديون المستحقة في الوقت المحدد لها، الأمر الذي سيزيد من التأثير السلبي على سمعة لبنان الاقتصادية والمالية.

وما تأكيد وكالة “فيتش” على التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملات الأجنبية للبنان عند حالة التخلف عن الدفع المقيدة، سوى تأكيد على الصعوبات في سداد الاتزامات المالية في العملات الأجنبية على المدى الطويل وعلى احتمالية ارتفاع مخاطر الاستثمار في لبنان وتراجع القدرة على الحصول على تمويل خارجي وعلى ارتفاع تكلفة الاقتراض وصعوبة الحصول على تمويل جديد.

تجدر الإشارة إلى أن تحسين التصنيف الائتماني للبنان يتطلب اتخاذ عدة إجراءات مستدامة، يأتي في طليعتها تعزيز الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعكس إيجاباً على الاستقرار الاقتصادي والمالي، فضلاً عن تحسين الإصلاحات الاقتصادية، للنهوض بالنمو من جديد وتعزيز الشفافية والحوكمة ومكافحة الفساد لزيادة الثقة في النظامين الاقتصادي والمالي.

كما يجب على لبنان الرسمي البدء بالتفاوض مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة الدين العام، وتحسين إدارته، وضبط الإنفاق العام للحد من العجز المالي وتقليل الدين العام، بالإضافة إلى تعزيز القطاع المصرفي وتحسين إدارته ورقابته لزيادة الثقة في النظام المالي، وتعزيز الاستقرار فيه من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فلبنان الذي يواجه تحديات كبيرة للتعافي الاقتصادي واستعادة ثقة المستثمرين يحتاج إلى جهود متضافرة من أجل تحسين تصنيفه الائتماني كي يستعيد دوره في الأسواق المالية المحلية والأجنبية.

شارك المقال