“صيرفة”…. هل اقترب عدّاد الرحيل؟

سوليكا علاء الدين

على وقع تسلّم نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري مهام الحاكميّة بالإنابة، أعلن “المركزي” توقّفه عن قبول أي طلبات جديدة لمنصّة “صيرفة”، لافتاً إلى أنّ ذلك لا يعني إيقافها عن العمل، حيث سيتمّ مُتابعة الايداعات بالتزامن مع انعقاد الجلسة التشريعية خلال الأيام المُقبلة. هذا ومن المُقرّر أن تتوضّح آلية عمل المنصّة ومصيرها في الاجتماعات الأولى للمجلس المركزي برئاسة منصوري.

امتناع مصرف لبنان عن بيع الدولارات عبر المنصّة وتعليق المصارف العمل بموجبها، لم يُسفر عنه أي ردّة فعل عكسية في سوق سعر صرف الدولار، لا بل واصل الحفاظ على استقراره عند مستويات لامست عتبة الـ89 ألف ليرة للدولار الواحد. ولعلّ أحد أسباب هدوء الدولار يعود إلى عدم استقالة نواب المركزي الأربعة، وتولّي وسيم منصوري منصب الحاكميّة، وعدم وقوع السلطة النقدية الأعلى في البلاد في دوامة الشغور. كذلك، التطمينات التي تحدّث عنها منصوري مثل عدم القدرة على الاستغناء عن منصّة “صيرفة” والإبقاء على دفع رواتب موظفي القطاع العام وفق سعر الصرف المُعتمد عليها، على أن يتمّ تطويرها تدريجيّاً وفق قواعد الشفافية والحوكمة الرشيدة. فهل هذا يعني أنّ مفعول المنصّة لم ينته بعد وأنّها في صدد عودة “مشروطة” بالتشريع الذي يُطالب به منصوري؟

الحاكم بالإنابة وسيم منصوري كان قد دعا إلى بدء ورشة إصلاح حقيقية تتضمّن تحديد آلية توحيد وتحرير سعر الصرف والعمل على استقرار سعر الصرف، أي أن يتمّ تحديد سعر الدولار المقوّم على الليرة وفق عمليات السوق من دون تدخّل مصرف لبنان، مع الإشارة إلى حصول ذلك بشكل تدريجي وبالتوافق بين المركزي والحكومة حفاظاً على الاستقرار.

لا شكّ أنّ توحيد سعر الصرف، الذي يسعى إليه منصوري هو أحد المطالب الرئيسية لصندوق النقد الدولي، الذي كان يشترط الشروع بتوحيد أسعار الصرف قبل الإتفاق على تقديم أي برنامج دعم مالي للبنان. فكانت حينذاك منصّة “صيرفة” التي أطلقها المركزي في أيار العام 2020، بمثابة خطوة تمهيديّة من أجل تأمين آليّة للتداول الحر يعكس السعر الحقيقي للدولار عبر العرض والطلب ويهدف إلى إعادة تنظيم السوق وصولاً إلى تحديد سعر صرف رسمي وموحّد لليرة اللبنانية. لكن فشل “صيرفة” في تحويلها إلى منصّة رسمية لسعر الدولار واستنسابيّة تحديد الأسعار عليها، دفعت نواب رياض سلامة الأربعة إلى التشديد على ضرورة التخلّص من السياسة النقدية المُتّبعة وإلغاء منصّة التداول هذه، لما تُشكّله من استنزاف لاحتياطي العملات الصعبة عبر ضخ الدولارات في السوق بسعر مدعوم ومنخفض مقارنة بسعر السوق السوداء، وبهذا يُمكن كفّ يد المركزي عن التدخل في سوق القطع، وبالتالي عدم تحميل حاكم الإنابة مسؤولية استنزاف ما تبقّى من الاحتياطات الموجودة أو بمعنى آخر أموال المودعين.

مُشاورات ومُباحثات نواب الحاكم من أجل التوصّل إلى صيغة نهائيّة لإطلاق منصة الكترونية بديلة لا تزال قيد المُتابعة، وتتمّ على قدم وساق بانتظار ساعة الصفر. فهل حان وقت طي صفحة “صيرفة” المُثيرة للجدل، أم أنّ الرياح سوف تجري عكس سفينة المنصّة الجديدة خصوصاً في حال إصرار ربطها بسلّة الاصلاحات أو أقلّه بتشريع عمليّة الصرف من احتياطي المصرف المركزي؟

حتى الآن التشريع ضائع في متاهة الكباش الحاصل بين مجلس الوزراء ومجلس النواب. وفي المقابل يُصرّ منصوري على موقفه في عدم صرف أي قرش واحد أو إعطاء رواتب بالدولار من دون وجود غطاء تشريعي. فهل يرضخ للأمر الواقع ويُعيد تفعيل عمل منصّة “صيرفة” بصيغتها الحاليّة تجنّباً للوقوع في محظور أزمة رواتب آخر شهر آب، لا سيّما وأنّ موظّفي القطاع العام اعتادوا الحصول على أجورهم ورواتبهم بالعملة الصعبة من خلال تحويله من الليرة إلى الدولار وفق سعر المنصّة المدعوم في ظل تنصّل الدولة والوزارات المعنية من القيام بواجباتها وإعادة تصحيح شامل لأجور الموظفين الذين فقدوا قيمتها الشرائية جرّاء انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية؟

قد تكون خطوة المركزي هزّة عصا تحذيريّة على التراخي الحاصل في تشريع قانون اقتراض الحكومة من الاحتياط الالزامي، إلّا أنّه وبالرغم من كافة الاجراءات والتهديدات المُتتالية بالتخلّي عن “صيرفة”، لا تزال المنصّة صامدة حتى اليوم. وها هي تتأرجح في فترة انتقاليّة بانتظار إعادة تفعيل دورها أو ربّما التخلي عنها واستبدالها بمنصّة جديدة تتّسم بمزيد من الشفافيّة والنزاهة، وتسمح بمعرفة هوية الحسابات والجهات المُستخدمة لها، وتعتمد على العرض والطلب حصراً وبعيداً عن منطق المُضاربة وتحقيق الأرباح الفاحشة الناجمة عن الإستفادة من فوارق أسعار الصرف بين المنصّة والسوق المُوازية.

هذا وفي حال تصفير عدّاد رحيل “صيرفة” والنجاح في إطلاق المنصّة “المُنتظرة”، فالأنظار ستتّجه حتماً نحو مدى قدرتها على وقف النزيف الحاصل في احتياطي مصرف لبنان وقُدرتها على تحريك الخطوة الأساسيّة الأولى في طريق توحيد سعر الصرف، والأهم ضبطها إيقاع تفلّت الدولار.

تجدر الإشارة إلى أنّ الإعتماد فقط على “منصّة” بديلة من دون إصلاحات حقيقية لا يعني إيجاد حل للأزمة. فمفتاح الحل يبدأ أوّلاً في تنفيذ برامج اصلاحية شاملة، يتمّ من خلالها استقطاب الدعم المالي وتوفير السيولة في السوق، لتغطية كلفة توحيد سعر الصرف وبالتالي الحد من استنزاف موارد واحتياطي مصرف لبنان.

شارك المقال