التراجع الأكبر للاحتياطي… هل يُنقذه منصوري؟

هدى علاء الدين

يتصدر حاكم مصرف لبنان بالإنابة ونائب الحاكم الأول وسيم منصوري المشهد النقدي والمالي في لبنان، وهو الذي سطع اسمه منذ أشهر قليلة بعد التأكد من صعوبة التمديد للحاكم السابق رياض سلامة. منصوري الذي ارتضى تجرّع كأس الحاكمية بمهامها المعقدة وضع خريطة طريق لعهده الذي بدأ بالابتعاد كل البعد عن أي مسؤولية مباشرة تُحمّله انعكاسات ما قد تؤول إليه الأمور خصوصاً، متسلحاً بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف التي تتيح له إقراض الحكومة فقط في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى. وفي هذه الحالة يدرس المصرف مع الحكومة امكان استبدال مساعدته بوسائل أخرى كإصدار قرض داخلي أو عقد قرض خارجي أو إجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الأخرى أو إيجاد موارد ضرائب جديدة. وفقط في الحالة التي يثبت فيها أن ليس هناك أي حل آخر، وإذا ما أصرت الحكومة مع ذلك على طلبها، يمكن للمصرف المركزي أن يمنح القرض المطلوب، حينها، يقترح – إن لزم الأمر – على الحكومة التدابير التي من شأنها الحد من العواقب الاقتصادية السيئة للاقتراض خصوصاً على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.

قرار منصوري الصارم بعدم تمويل الدولة من الاحتياطي من دون تشريع قانوني من مجلس النواب يُتيح له إقراض الحكومة 200 مليون دولار شهرياً كانت له أصداء إيجابية كون حماية ما تبقى من هذا الاحتياطي باتت ضرروية لضمان أموال المودعين التي تراجعت قيمتها بصورة مخيفة، لا سيما بعدما أظهرت ميزانية مصرف لبنان انخفاضاً قدره 608.38 ملايين دولار خلال النصف الثاني من شهر تموز الماضي لتصل قيمة إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة إلى 8.76 مليارات دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ بداية الأزمة عام 2019 والذي كان يبلغ حينها 40 مليار دولار. في المقابل، تقلصت ودائع الزبائن من حوالي 168.4 مليار دولار نهاية تشرين الأول 2019 إلى 97.3 مليار دولار نهاية أيار 2023 أي بنسبة 42 في المئة، في حين انخفضت الودائع المصرفية بالليرة اللبنانية 5.7 تريليون ليرة لتبلغ حوالي 61.7 تريليون ليرة نهاية أيار 2023.

وفي الوقت الذي أبدى فيه مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان ارتياحه الكامل تجاه عزم منصوري التزام مصرف لبنان بالتقيّد الكامل بالقوانين المرعية الاجراء، لا سيما لجهة موضوع إقراض الدولة اللبنانية أو عدم المسّ بالتوظيفات الالزامية للمصارف لديه والتي تعود بالنتيجة للمودعين، مثلها مثل سائر ودائع المصارف في مصرف لبنان، لا تزال الحكومة عاجزة عن إخراج نفسها من المأزق المالي الذي وضعت نفسها فيه، فهي لا تملك القدرة على حث منصوري على التراجع عن قراره، ولا تستطيع إلزام النواب بتقديم مشروع قانون يُتيح لها الاقتراض من “المركزي”. صحيح أن الحكومة لديها الخيار للجوء إلى حقوق السحب الخاصة بلبنان من أجل تمويل نفقاتها، إلا أن ذلك سيكون حلاً مؤقتاً لمدة شهر واحد فقط. أما خزينة الدولة فلن تتمكن إيرادتها المحدودة من تغطية قيمة رواتب وأجور القطاع العام وغيرها من الالتزامات الشهرية لمدة طويلة.

يقول الحاكم بالإنابة إن المسألة ليست نقديّة والحل ليس في “المركزي” إنما في السياسة المالية للحكومة التي بدورها تُحمّل مصادرها المجلس النيابي مسؤولية أساسية تتعلق بقدرته على رد أي قرض لا سيما وأنها تحتاج الى إقرار قوانين إصلاحية، ليدخل قرار الاقتراض من عدمه دوامة جديدة من التراشق اللامسؤول للمسؤولية. فبين الحاجة الملحة للحكومة الى أموال “المركزي” وشرط الإصلاح الذي يصعب تنفيذه في الوقت الراهن، سيبقى الوقت الضائع سيد الموقف بانتظار معرفة لمن ستكون الكلمة الفصل في أولى جولات منصوري في حاكمية مصرف لبنان.

قد يكون منصوري نجح في فرض شروطه منذ اللحظة الأولى واضعاً قواعد جديدة للعبة الحكومة مع مصرف لبنان على الرغم من معرفته المسبقة بغياب الارادة السياسية للإصلاح المالي الذي يُطالب بتحقيقه مقابل إقراض الحكومة كي يتمكن “المركزي” من استرداد هذه الأموال. ومع هذه المعادلة الجديدة التي تُشكل جزءاً من الحل الذي يتطلب تنفيذ إصلاحات هيكلية وتحسين الجباية الضريبية على أنواعها لتمويل الخزينة، حيّد الحاكم بالإنابة نفسه عن سياسة رياض سلامة المتبعة منذ سنوات، إلا أن الخوف يبقى في مدى قدرته على الصمود في وجه أي ضغوط قد تُمارس عليه تمنحه التشريع وتطيح بالإصلاح وتُعيده إلى سياسة الحاكم الأسبق.

شارك المقال