التفلّت الأمني يقرع جرس الانذار للوضع الاقتصادي المُنهار

سوليكا علاء الدين

بينما كان لبنان يتنعّم بموجة من الهدوء النسبي مُستفيداً من موسم سياحي صيفي زاخم وحركة اقتصاديّة ومالية مقبولة أسهمت في الحفاظ على استقرار نقدي مُصطنع ومدعوم بالتسلّم المشروط لحاكميّة مصرف لبنان، قفزت الأحداث الأمنيّة المُتنقّلة في مختلف المناطق اللبنانية إلى الواجهة من جديد، محذّرة من خطورة ما يحدث وما قد تؤول إليه الأمور في حال عدم ضبط الوضع وانتشار رقعة التفلّت الأمني.

وسط التعقيدات السياسيّة والأزمات الاقتصاديّة، يشهد لبنان منذ بداية شهر آب سلسلة من الحوادث الأمنيّة الخطيرة، بدءاً من اشتباكات مخيّم عين الحلوة وصولاً إلى حادثة كوع الكحّالة في تجسيد لحجم التوتّر والاحتقان السائد بين مختلف الأطراف في الداخل، لينعكس بذلك المشهد الأمني بتفاصيله كافة على الواقع اللبناني المأزوم لا سيّما الشغور الرئاسي والوضع الاقتصادي المُنهار. التوتّرات والخضّات الأمنيّة رفعت منسوب الخوف لدى الكثير من الدول الخليجية والأوروبية التي سارعت إلى منع مواطنيها من الذهاب إلى لبنان، داعيةً إلى اتخاذ الحيطة والحذر وعدم الاقتراب من أماكن التوترات.

البيانات التحذيريّة دفعت بالسلطات اللبنانيّة الرسميّة إلى طمأنة الرأي العام الداخلي والخارجي بأنّ الأمن ممسوك ولا شيء يدعو إلى القلق والهلع. لكن هذه التطمينات كادت أن تذهب سُدىً مع اشتباك الكحالة الذي طُوّق قبل أن “ينفلت الملقّ” وينفجر الوضع الذي أثبت هشاشته وقابليّته للإشتعال، فأي حادث أمني من المُحتمل أن يخرج عن السيطرة ويُضرم فتيل الحرب في أي وقت كان ولأي سبب من الأسباب. ومع استمرار غرق لبنان في دوّامة أزماته، تتصاعد المخاوف من إمكان سقوطه في دائرة التوتّر الاقليمي وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات والصراعات الخارجيّة، مع ما يترتّب على ذلك من ثمن باهظ يُضاف إلى قائمة الأثمان التي يدفعها ويزيد من الأعباء المُلقاة على كاهله.

ما يحدث في لبنان من تصعيد أمني يعمّق من حدّة الأزمة ويُهدّد ما تبقّى من الامكانات والموارد الاقتصادية، كما يعكس حجم الضعف والتصدّع الحاصل في هيكل السلطة السياسية العاجزة عن التوافق لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فاستمرار الشغور في سدّة الرئاسة الأولى يُنذر بمزيد من الفوضى والعبث في الاستقرار والسلم الأهلي ويُعبّد الطريق أمام من يُحاول الاصطياد في المياه العكرة. كما أنّ الوضع الاقتصادي المُتردّي أساساً وغياب الارادة الاصلاحية يضعان القطاعات الاقتصادية الحيوية أمام تحديات صعبة لا سيما قطاعا السياحة والخدمات اللذان يمارسان ذروة نشاطهما ويمدّان الاقتصاد اللبناني بالأوكسجين اللازم، الأمر الذي يتطلّب ضرورة اتخاذ جميع التدابير والاجراءات الوقائية من أجل التخفيف من المخاطر الأمنيّة كي يبقى الأمل موجوداً في النهوض بالاقتصاد. وعلى الرغم من الحرص الدولي على عدم انزلاق لبنان إلى قعر الهاوية وانهياره بصورة تامة، إلاّ أنّ فرصة إخراجه من محنته لن تتحقّق في حال عدم لمس أي نيّة صادقة لدى الطبقة الحاكمة وتغيير طريقة تعاطيها مع الأزمة من أجل رسم خريطة طريق تُعيد نبض الحياة إلى لبنان وتُنقذه من دوّامة الأزمات التي يحتضر فيها.

مع توجّه الأنظار إلى الملف الأمني وتداعياته على الساحة اللبنانية التي تتخبّط تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصاديّة ومعيشية، يتساءل الكثيرون عن المغزى من توتير الوضع الأمني في هذا التوقيت القاتل وعما إذا كان مخطّطاً له من أطراف مُحدّدة ولمصلحة من؟ وفي الوقت الذي يُنتظر من لبنان تقديم شهادة حسن سلوك والمضي قُدماً في تحمّل المسؤوليّة وانتخاب رئيس للبلاد يمتلك رؤية اقتصادية انقاذية وخطة اصلاحية مُتكاملة، لما تُشكّله من خطوة أولى أساسيّة في مدّ جسور الثقة مع المجتمع العربي والغربي، يعود التفلّت الأمني إلى لبنان الذي تلقّى صفعة ديبلوماسيّة تحذيريّة ورسالة صارمة لجميع المكونات بضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة عبر إتمام مساعي الاستحقاق الرئاسي، فهل سينجح لبنان في إخماد شرارة التصعيد الأمني وإعادة تصويب البوصلة نحو ملء كرسي الرئاسة، المفتاح الوحيد للتعافي الاقتصادي والمدخل الرئيس للهدوء والاستقرار الأمني؟

شارك المقال