“ألفاريز آند مارسال”: 333 مليون دولار لـForry و7.3 تريليون ليرة للمصارف

هدى علاء الدين

أصدرت شركة “ألفاريز آند مارسال” تقريرها حول التدقيق الجنائي للفترة الممتدة من الأعوام 2015-2020، أشارت فيه إلى انتقال مصرف لبنان من فائض في العملات الأجنبية بقيمة 10.7 تريليون ليرة لبنانية (7.2 مليارات دولار) في نهاية العام 2015 إلى عجز قدره 76.4 تريليون ليرة لبنانية (50 مليار دولار) في نهاية العام 2020. كما تدهورت جودة الأصول بحيث انخفضت الأصول بالعملات الأجنبية المحتفظ بها في الخارج من 35.8 مليار دولار في العام 2015 إلى 18.4 مليار دولار في العام 2020، في حين زادت أصول العملات الأجنبية المملوكة محلياً من 12.7 مليار دولار في العام 2015 إلى 21.2 مليار دولار في العام 2020، مدفوعة بالنمو في السحب على المكشوف من وزارة المالية وسندات اليوروبوند.

وبحسب التقرير، فإن النقص في احتياطيات العملات الأجنبية لتاريخ 31 كانون الأول 2020 ارتفع إلى 71.9 مليار دولار أي ما يعادل 230 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي سجل في العام 2020 حوالي 31.2 مليار دولار. وبما أن لبنان عانى من عجز في صافي تجارته في السلع والخدمات على مدى السنوات العشرين الماضية، فليس من الواضح كيف سيحصل مصرف لبنان على الدولارات المطلوبة لسد النقص في احتياطيات العملات الأجنبية .من جهة أخرى، بلغ العجز في العام 2020 حوالي 108 تريليون ليرة (سعر صرف 1.507.5 ليرة)، علماً أن سعر الصرف في السوق السوداء كان عند حوالي 100000 ليرة. لذا، ووفقاً لـ “ألفاريز آند مارسال” قد لا يكون من المجدي محاولة قياس العجز باستخدام الليرة اللبنانية، لأن سعر الصرف نفسه غير مستقر، ومن المحتمل أن ينخفض ​​بصورة حادة بسبب الزيادة الناتجة عن عرض النقود بالليرة اللبنانية في الأسواق، إذا حاول مصرف لبنان (باستخدام أسعار الصرف في السوق) سداد التزاماته بالعملات الأجنبية باستخدام الليرة.

ولفت التقرير إلى عدم الابلاغ عن هذا التدهور في الميزانية العمومية لمصرف لبنان والتي أعدت باستخدام سياسات محاسبية غير تقليدية. فقد سمحت هذه السياسات لمصرف لبنان بالمبالغة في الأصول وحقوق الملكية والأرباح مع التقليل من الالتزامات وإغلاق نهاية كل عام بالمبالغ التي يحددها الحاكم من دون تفسير للمبالغ المختارة. أما ملخص الميزانية العمومية التي نشرها المصرف، فلم يكشف بصورة كافية عن المركز المالي لـ “المركزي”، ولم يعلن عن البيانات المالية المدققة الكاملة له خلال فترة المراجعة. وبدلاً من ذلك، نشر مصرف لبنان ملخصات الميزانية العمومية من دون نشر أي بيان أرباح وخسائر أو بيان تدفق نقدي أو تقرير تدقيق أو ملاحظات على الحسابات. وخلال فترة المراجعة أيضاً، أظهرت نفقات التشغيل انخفاضاً طفيفاً من 41 مليار ليرة لبنانية في العام 2015 إلى 38.7 مليار ليرة لبنانية في العام 2016، تلتها زيادة مطردة على أساس سنوي لتصل إلى 63.5 مليار ليرة لبنانية في العام 2020، وهو ما يمثل زيادة بحوالي 55 في المئة من 2015 إلى 2020. وفي الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، نما حجم الميزانية العمومية لمصرف لبنان من 127.5 تريليون ليرة لبنانية إلى215.7 تريليون ليرة لبنانية. كما نمت الأرصدة المتعلقة بالهندسات المالية بما في ذلك حقوق الملكية والفوائد المؤجلة بسرعة أكبر من الأرصدة الأخرى. أما انخفاض الأصول الأجنبية بالعملة الأجنبية فحدث بعد العام 2017. وارتفع رصيد قروض مصرف لبنان بصورة كبيرة حتى العام 2018، قبل أن يسجل انخفاضاً حاداً في العامين 2019 و2020. كما كانت هناك تكاليف ناتجة عن الفرق بين السعر الذي يُسمح به للمودعين بسحب الدولارات من البنوك (حوالي 8000 ليرة لبنانية) والسعر الرسمي الثابت (حوالي 1500 ليرة لبنانية) بعد إصدار التعميم 151 في العام 2020.

وفي الأعوام 2015 و2016 و2017، نفذ مصرف لبنان برنامجاً للهندسات المالية سمح من خلاله للمصارف باستبدال أذون الخزانة بالليرة اللبنانية من محفظة مصرف لبنان مقابل سندات دولية حديثة الإصدار، ولاحقاً بخصم شهادات الإيداع بالدولار الصادرة من مصرف لبنان بشرط اكتتابها بالمبلغ نفسه في سندات اليوروبوندز الحكومية اللبنانية. وقد ولّدت الهندسة المالية التي أجراها مصرف لبنان تكاليف كبيرة تم تعويضها جزئياً من خلال الإيرادات والأصول المتضخمة، بحيث حُوّلت التكاليف والتعويضات إلى الميزانية العمومية ما أدى إلى المبالغة الكبيرة في تقدير أرباح مصرف لبنان، وتجنب الحاجة إلى خطة الإنقاذ من وزارة المالية التي كان يُحوّل إليها حوالي 40 مليون دولار سنوياً، قبل أن تبدأ المصارف اللبنانية بتقنين الدولارات بصورة غير رسمية في أيلول 2019. واستفادت المصارف التجارية من الهندسات المالية من خلال جذب الودائع من المغتربين اللبنانيين والمستثمرين واستبدالها بسندات اليوروبوند الحكومية ذات العائد المرتفع، بحيث قدّر الربح الذي حققته هذه المصارف بـ 7.3 تريليون ليرة لبنانية.

كما أظهرت مراجعة “ألفاريز آند مارسال” لنفقات مصرف لبنان وجود مبالغ كبيرة مدفوعة مقابل بنود قد لا تعتبر مناسبة لو تم التأكد من المركز المالي للمصرف، بما في ذلك استخدام اسم بائع مورد متنوع لتسجيل المعاملات بحوالي 331.4 مليار ليرة، دفع مساعدات وتبرعات بقيمة 30.7 مليار ليرة، رعاية مصرف لبنان العديد من الفعاليات والمؤتمرات والجمعيات الخيرية بمبلغ إجمالي قدره 11.4 مليار ليرة، استئجار مكتب مصرف لبنان في باريس بمبلغ 5.97 مليارات ليرة، واقتناء لوحات وأعمال فنية بمبلغ إجمالي 2.7 مليار ليرة.

كان مصرف لبنان يسعى إلى الحفاظ على سعر صرف ثابت (بالدولار الأميركي) لكن بسبب الهيكل الضريبي غير الفاعل في لبنان كان عليه خلق المال من أجل تمويل الإنفاق الحكومي. ونقل التقرير عن المصرف قوله بأنه اضطر إلى الانخراط في عمليات غير تقليدية لفترة طويلة استجابة لعدة ظروف معاكسة تشمل احتياجات القطاع العام من العملات الأجنبية (قطاع الكهرباء…)، شغور رئاسي لفترة طويلة، استقالة رئيس الوزراء في العام 2017، وسياسات الدعم الحكومية. ووفقاً للأرقام الواردة في التقرير حول كيفية استخدام احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية لتلبية متطلبات الحكومة اللبنانية بين الأعوام 2010 حتى 2021، فقد أظهرت أن وزارة الطاقة حصلت على حوالي 25 مليار دولار من المصرف المركزي.

من جهة أخرى، تعتقد “ألفاريز آند مارسال” بوجود دليل على دفع عمولات غير مشروعة خلال فترة 2015-2020 بلغ مجموعها 111 مليون دولار. كما أن هناك مدفوعات بلغ مجموعها 333 مليون دولار أرسلت بين 2002 و2015 من حساب مصرف لبنان إلى حساب في HSBC Private Bank (Suisse) باسم Forry‏ ‏وهي شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية مملوكة لشقيق رياض سلامة، رجا سلامة. كذلك استعرضت الشركة رواتب مصرف لبنان والرسوم المرتبطة بها والتي كانت في حدود 155 مليار ليرة لبنانية و167 مليار ليرة لبنانية في السنة، مشيرة إلى تقلبات غير مبررة في المبالغ المحملة بموجب فئات “البدلات والمكافآت” و”خدمات الرعاية الصحية”.

وبحسب التقرير، فقد احتكر الحاكم المناقشات والقرارات بعيداً عن المجلس المركزي الذي لم يكن فاعلاً كهيئة حاكمة ولم يستطع الحد من سلطة الحاكم في اتخاذ القرارات، في الوقت الذي تبين فيه عدم وجود ترتيبات عامة للإدارة الجيدة وإدارة المخاطر في المصرف. وقد طلبت الشركة العديد من الوثائق المتعلقة بالحوكمة وإدارة المخاطر بما في ذلك أدوار نواب الحاكم ومسؤولياتهم ومحاضر مختلف اللجان الفرعية والسياسات والاجراءات والوثائق الأخرى المتعلقة بعمل الادارات، إلا أن معظم الوثائق لم يكن موجوداً في المصرف المركزي، في حين أن المتوافر منها كان يُعطى لها بإصدارات غير مؤرخة.

شارك المقال