الشركات الخاصة تُسرّح موظفيها

هدى علاء الدين

لا يختلف اثنان على أن الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم أصاب الشركات الخاصة بالصميم، وشلّ قدرة العديد منها على الصمود في وجه رياح الانهيار، وخير دليل على ذلك البيانات الأخيرة لمؤشر بلوم PMI التي أشارت إلى تدهور النشاط الاقتصادي لشركات القطاع الخاص اللبناني بوتيرة أسرع في نهاية الربع الثاني من العام 2021، حيث انخفض مؤشرا الإنتاج والطلبيات الجديدة بوتيرة متسارعة، الأمر الذي دفع هذه الشركات إلى تخفيض أعداد موظفيها.

وبحسب المؤشر، تعود العوامل الرئيسية التي تسببت في تراجع النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة إلى عدم توافر السيولة الكافية وانعدام الاستقرار الاقتصادي وضعف سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. وقد انخفضت القراءة الأخيرة لمؤشر PMI  إلى 47.5 نقطة في حزيران 2021 بعد ارتفاعها لأعلى مستوى لها في تسعة عشر شهراً بواقع 47.9 في أيار الماضي، وانعكس هذا التراجع الطفيف في قراءة مؤشر PMI الرئيسي على قراءة مؤشري الإنتاج والطلبيات الجديدة اللذين سجلا انخفاضات متسارعة، في حين أثّر انخفاض القوة الشرائية نظراً لتراجع قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي سلبا ًعلى المبيعات، ما أدّى إلى انخفاض النشاط التجاري لهذه الشركات.

كما شهدت الأعمال الجديدة الواردة من الأسواق الدولية انخفاضاً بوتيرة هي الأسرع في أربعة أشهر في حزيران 2021، بعد أن استقرت في شهر أيار من العام نفسه بسبب انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي ساهم في ضعف الطلب من العملاء الدوليين. وتسبب نقص الطلبيات الجديدة الواردة بتراجع الضغط على القدرة الإنتاجية للشركات بوتيرة أكثر حدةً وفقاً لبيانات المسح الأخير، وبقي معدّل استنفاد الأعمال غير المنجزة قوياً والأسرع منذ شهر آذار 2021، ونتج عنه تخفيض الشركات اللبنانية أعداد موظفيها للشهر الرابع على التوالي.

من جهة أخرى، أشارت بيانات المسح الأخير لـ بلوم PMI إلى أنّ متوسط الوقت اللازم لتسليم مستلزمات الإنتاج طال مجدداً في حزيران 2021. كما ارتفع معدل تدهور أداء الموردين إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر رغم استمرار النشاط الشرائي بالانخفاض. ونسبت الشركات المشاركة في المسح تخفيض شراء مستلزمات الإنتاج إلى مشاكل متصلة بنقص السيولة بالدولار الأميركي وصعوبات في الحصول على الائتمان، وانخفضت مخزونات مستلزمات الإنتاج نتيجة للتأخير في التسليم وانخفاض كمية مستلزمات الإنتاج المُشتراة.

إقرأ أيضاً: ملايين صندوق النقد… وعدٌ أم حقيقة؟

هذا وبقيت النظرة التشاؤمية مسيطرة على شركات القطاع الخاص اللبناني للأعمال الجديدة المتوقعة خلال الاثني عشر شهرًا المُقبلة، مع تخوّف من أن استمرار تآكل القوى الشرائية لعملائها سيؤدي إلى تخفيض حجم إنتاجها خلال السنة المقبلة.

يخسر المزيد من موظفي الشركات الخاصة وظائفهم كنتيجة تلقائية لانعدام الأفق في لبنان وغياب أي مسعى جدي لحلحلة أزمته الاقتصادية والمالية والتي تبدأ أولاً بإيجاد حلول لأزمته السياسية، لا سيما وأن معظم هذه الشركات تقع تحت وطأة الديون وتتعرض لخسائر فادحة نتيجة انهيار الليرة والتقلبات الحادة في سعر الصرف، إذ تجد نفسها متعثرةً وعاجزةً عن البقاء في سوق العمل وسط حالة من عدم الاستقرار على مختلف الصعد. أما من حالفهم الحظ ولا يزالون في وظائفهم، فهم اليوم رهينة الدولار وفريسة تدهور القدرة الشرائية، وقد ينضمون غداً إلى قافلة العاطلين عن العمل.

بيقين لا يقبل أي شك، تعكس الأرقام والمعطيات حجم الكارثة التي تتخبط بها الشركات الخاصة، وهي حتماً في أسوأ أيامها الإنتاجية والوظيفية، فالانهيار ضرب بوتيرة عالية وفاق كل التوقعات ولن ينجو منه أحد.

شارك المقال