هل يبقى الذهب الحارس الأخير للبنانيين؟

المحرر الاقتصادي

على الرغم من الفرملة غير الرسمية التي يعتمدها مصرف لبنان في دعم المواد الغذائية والأساسية والمحروقات والدواء، إلا أنه يرفض استخدام احتياطات لبنان من الذهب، وهو أحد الخيارات التي يتم التداول بها عن إمكان استخدام ما نسبته 5 في المئة من قيمة الذهب في إطار معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية الراهنة.

وفيما كثر الحديث عن هذا الموضوع، أعلن مصرف لبنان في بيان رد فيه على النائب جميل السيد الذي ادعى بأن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه تصرّف بجزء مما يملكه المصرف المركزي من الذهب أو كله. فأكد في البيان “أن كل ما يبثه السيّد هو محض أكاذيب وإشاعات لا أساس لها من الصحة”، مطمئناً “السيد وسواه من الغيارى أن ذهب لبنان بألف خير ولم يُمسّ ولن يُمسّ وغير خاضع لأي رهن أو تعهّد، كما يحلم البعض بهدف الاستمرار بإغراق لبنان وتسخير ما لا يزال لبنان يملكه لأهداف تضرّ بلبنان ولا تخدم مصالحه على الإطلاق”، ومجدداً التأكيد أنه سيُحافظ أيضاً على الاحتياطي الالزامي، ومشيراً إلى أن الحل لإعادة إنهاض الاقتصاد اللبناني هو في أن يتحمّل المسؤولون السياسيون مسؤولياتهم بتشكيل حكومة جديدة تباشر بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتستعيد الثقة داخلياً وخارجياً.

لقد أظهرت وضعية مصرف لبنان نصف الشهرية (30 حزيران 2021) أن قيمة احتياطاته من الذهب تبلغ اليوم 16.21 مليار دولار، بتراجع نسبته 5.77 في المئة أو ما قيمته 991.9 مليون دولار عما كانت عليه في 16 حزيران 2021، في ظل انخفاض سعر الذهب على إثر تحسّن القيمة الشرائيّة للدولار الأميركي وإرتفاع معدّلات الفوائد.

وتشير الإحصاءات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي أن لبنان يملك 286.8 طناً من الذهب، ما يضعه ضمن قائمة أكبر 20 دولة حول العالم تحوز على احتياطات من المعدن الأصفر. وهو يحتل المرتبة الثانية عربياً بعد المملكة العربية السعودية من حيث حجم سبائك الذهب التي ليست جميعها مخزنة في لبنان. فثلثها موجود في قلعة فورت نوكس في الولايات المتحدة، فيما الثلثان الآخران مودعان تحت الأرض في خزائن فولاذية في مصرف لبنان يتطلب لفتحها 3 مفاتيح.

من المعروف أن هناك قانوناً صادراً في 24 أيلول من العام 1986 منع بموجبه بيع ذهب مصرف لبنان. ونص القانون وهو من مادة وحيدة على الآتي: “بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص، يمنع منعاً مطلقاً التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب”. وهذا يعني أن القانون ربط حيازة الذهب بالمصرف المركزي لحمايته من الملاحقات الدولية التي قد تصدر بحق الدولة اللبنانية. وبموجب القوانين الدولية، وكون مصرف لبنان مؤسسة مستقلة، لن يعود بإمكان الدائنين الدوليين حتى الحجز عليه.

وقد سبق إقرار هذا القانون تصريح شهير لحاكم مصرف لبنان ادمون نعيم في حينه والذي قاد حملة ضد استعمال احتياطات الذهب، قال فيه إن “الذهب هو الحارس الأخير للشعب اللبناني بمعنى أنّه لم نفكّر ولن نفكّر بتحريك الذهب طالما أننا نأمل في أن تستمر الحياة”، مؤكداً أن الذهب لن يُمس بأيّ شكل من الأشكال.

اليوم، تشهد احتياطات مصرف لبنان بالعملات استنزافاً سريعاً يهدد بذوبان ودائع اللبنانيين لديه تحت ما يسمى التوظيفات الإلزامية بالعملات. فهل يكون استعمال سبائك الذهب واقعاً بعد استنفاد الاحتياطات بالعملات؟ أرقام المصرف المركزي تشير إلى أن موجوداته بالعملات باتت تبلغ في آخر حزيران، 15.53 مليار دولار عند تنقيص محفظة اليوروبوندز التي يحملها، والبالغة قيمتها 5.03 مليارات، بعدما كانت قريبة من مبلغ الـ40 مليار دولار في الشهر نفسه من العام 2018. ويؤكد حاكم مصرف لبنان أن “لبنان لا يمتلك أي موارد طبيعية وعلينا إبقاء الذهب لكونه من الأصول التي يمكن تسييلها في الأسواق الخارجية إذا ما واجهنا أزمة مصيرية حتمية”.

ولا يؤدي العديد من الخبراء تصفية احتياطات لبنان من الذهب، ويقترحون في المقابل إمكان استخدامها كضمانة للاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة منخفضة.

وفي هذا الإطار، يقول مصدر مصرفي رفيع المستوى لـ”لبنان الكبير” أن ما يطرح في بعض الكواليس عن إمكان استخدام الذهب، خطير في ظل غياب أي خطة اقتصادية شاملة. ويضيف “صحيح أن أي احتياطي هو عبارة عن وسادة أمان خلال الأزمات، ولكن السؤال اليوم هل يجب أن يتم استعمال جزء من الذهب لمعالجة ملف الدعم؟ بالتأكيد لا. فهذا الأمر لا يجب أن يتم إلا من ضمن خطة تعافي اقتصادي متكاملة تكون التدفقات المالية من الخارج جزءاً أساسياً منها، وقد يكون موضوع تحرير جزء من الذهب من ضمن هذه الخطة التي سيتم التوافق حولها من الداخل والخارج كي يستعيد القطاع المصرفي عافيته بوقت أسرع ويعيد الحياة إلى الاقتصاد والمال للمودعين”. وأبدى تخوفه من فرص تبديد الذهب والمس بالاحتياطي الإلزامي.

إقرأ أيضاً: القروض المتعثرة.. “العملة” الأخرى لأزمة المصارف

وأوضح المصدر أن الإفادة من احتياطات الذهب تتطلب تعديلاً قانونياً في مجلس النواب، ما يهدد بأن يقوم الدائنون الدوليون الذين يحملون سندات يوروبوندز التي اعلن لبنان وقف سدادها، برفع دعاوى قضائية على لبنان في مختلف دول العالم، وهو ما سيضع المعدن الأصفر على رأس الأصول المحجوزة في الخارج.

كما قال إنه ليس من السهل أبداً أن تفرج الولايات المتحدة عن سبائك الذهب الموجودة في خزناتها لصالح مصرف لبنان. فالتجارب السابقة تثبت هذا الأمر. اذ تأخذ واشنطن وقتاً قد يمتد إلى سنوات للتجاوب مع طلب أي دولة لاسترداد سبائكها. وأشار إلى أن العقوبات التي تفرضها على “حزب الله” قد تفرمل حصول لبنان على سبائكه على غرار ما حصل مع فنزيلا.

شارك المقال