“بلومبرغ” تبدأ بعد شهرين… منصة لضبط سعر الصرف أم تحرير مقنع له؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

وافق مجلس الوزراء على اطلاق منصة Bloomberg التي ستجرى عبرها عمليات التبادل بين الليرة اللبنانية والدولار. وانقسمت الأوساط النقدية والمالية حول اعتبارها خطوة جيدة أو مشكوك في أمرها، واستفاضت وسائل الاعلام والمواقع والتواصل في شرحها، ونقطة التقاطع في كل التحليل كانت الأسئلة التي طرحت حولها وأهمها: هل ستؤمن فعلاً استقراراً في سعر صرف الدولار أم أنها خطوة ترقيع ووراء الأكمة ما وراءها؟

المدافع الأول عن المنصة الاكترونية هو مصرف لبنان ومن بعده الحكومة، والمنتقد الأقوى هم اقتصاديون وذوو اختصاصات وخبرات عالية في هذا القطاع.

ولنبدأ بالطرف الأول بحيث أكدت مصادر البنك المركزي لموقع “لبنان الكبير” أن المنصة تعمل من المصرف وليس من أي دولة أخرى، هناك طابق بأكمله خصص لها وكل الـdata الخاصة بها موجودة داخل “المركزي” وتكلفتها صفر. ونفت أن تكون المنصة متاحة للأميركيين للاطلاع عليها، واصفة هذا الكلام بـ “الهرطقة”، لأن المصرف وحده وحصرياً يستطيع الدخول على الـdata لمعرفة هوية البائع والمشتري، وهذا لا يظهر على الشاشات التي تستخدم على مرأى من الجميع والـplatform التي هي في طور الاعداد تساعد على محاربة المضاربين من خلال كشف هوياتهم.

وحول المدة التي سيستغرقها العمل لاطلاق المنصة، قالت المصادر: “نحن في مرحلة تجهيز العقود وعندما ننتهي سنفتح الباب للمصارف للتسجيل عليها، وسنصدر تعميماً لاشراك المؤسسات المالية فيها ثم نبدأ فوراً بعملية التدريب training بعدها نجري عملية testing تحضيراً لاطلاقها في وقت مناسب نقدياً”.

وأوضحت المصادر أن “بلومبرغ” فور اطلاقها تتحول الى منصة محلية internal department، ويبدأ العمل بها، ولبنان ليس البلد الوحيد الذي يطلق منصة محلية local platform currency فالعديد من الدول المشابهة لحالتنا أو لديها عدم استقرار مالي اعتمدتها، كاشفة أن المدة التي يحتاجها المصرف لتحضيرها هي شهران. واستغربت التهويل على سعر الصرف، سائلة: “لماذا منذ شهر ونصف الشهر لم نشهد ارتفاعاً في الدولار؟ وهل تعلمون أن الحاكم بالانابة حالياً يثبت سعر الدولار بواسطة منع المضاربة على الليرة (بيع وشراء الليرة اللبنانية)؟”.

وأشارت المصادر الى أن فئة معينة من الصرافين فقط يحق لها التسجيل على المنصة، تلك التي تضم مكتب مكافحة تبييض الأموال وعددها قليل جداً، وستحدد مواصفات الانتساب على أساس تعميم يصدر لاحقاً يحدد الرأسمال مع كل التفاصيل، وهذه الخطوة ستلغي مهنة الصرافة تدريجاً اذ تبقى منها الشركات الكبيرة وتقفل دكاكين الصرافة (المضاربجية) تماماً كما في الخارج حيث انقرضت هذه المهنة ولم تعد موجودة.

كيف تحصل المبادلة عبر منصة “بلومبرغ”؟

لنفترض أن عميلاً ما يريد تحويل مبلغ ١٠٠ ألف دولار الى العملة اللبنانية فيطلب مثلاً عند التسجيل على المنصة داخل أحد المصارف سعر ٨٨ ألف ليرة للدولار بدل ٨٩ كي يحصل بسرعة على التحويل أي أقل من السعر الموجود، المصرف يعرض الطلب bid بحثاً عن مشترٍ ask سبق وسجل طلبه لشراء دولار فتحصل العملية بين الـbid والـask وهكذا… على أن تظهر أول ٣ أسعار متدنية على الشاشة. لكن كيف يُكشف المضاربون؟ اذا تبين أن هناك من طلب سعراً مرتفعاً (مثلاً ٩٥) بحجة أنه ليس مستعجلاً ويبتغي الربح يظهر اسمه لدى “المركزي” فتتم ملاحقته قانونياً وتوقيف العملية الخاصة به لأنه طلب على سعر مرتفع جداً (فارق ٥ آلاف) والهامش المسموح به هو بين ١٠٠ وألف كحد أقصى، وهكذا يتم ضبط السوق، علماً أن لا اسم العميل ولا اسم المصرف يظهر على شاشة التداول، بل “المركزي” وحده يكشفها في عملية مراقبة ٢٤ على ٢٤.

والشركات الكبرى المؤثرة في السوق تعلم أنها لا تستطيع اجراء أي عملية exchange خارج Bloomberg والا لن تتمكن من شراء بضائعها، وهذا يساعد كثيراً في ضبط السوق لأن المبالغ الصغيرة لا تؤثر على تفلت سعر الدولار.

وعن المخاطر المحتملة، قالت المصادر: “أن لا يعرض دولار مقابل الطلب فيرتفع سعر الدولار، في النهاية هذا سوق لا نستطيع التحكم به، نحن نحاول كما الآن أن نسيطر كل شهر بشهره ولا نملك رؤية أكثر من شهر الى الأمام لكن مسؤولية الدولة في انجاز الاصلاحات. الدولة لديها عجز في الموازنة وعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات فكيف سنتحكم بالمنصة؟ الأمور حتماً ستنتهي الى فلتان لكن تتفلت بمنصة رسمية مراقبة أفضل من التفلت في سوق سوداء لا يعرف من يتحكم بها، وهنا نستطيع أن نفرق بين الدولار الحقيقي والدولار السياسي، والحكومة هي أكبر اللاعبين عندما تعرض العملة اللبنانية بكميات عالية جداً وتطلب الدولار من دون أن تنسق مع المصرف المركزي فيصبح ضبط الكتلة النقدية صعباً جداً. اما اذا نسقت عملياتها معنا فنتحكم أكثر كما يحصل حالياً عبر تخفيف الليرات من السوق. وما كان يقوم به الحاكم هو كب دولارات في السوق للجم الارتفاع، اما الآن فنحن نعمل على سحب الكتلة النقدية بالعملة الوطنية، وفي كلا الحالتين هو تدخل في سوق القطع لكن بدل أن يكون باستخدام الدولارات وعرضها أقل من سعر السوق كما كان يفعل (رياض) سلامة، يكون بضبط الليرات كما نعمل عليه حالياً”.

وختمت المصادر: “في النهاية كل ما نقوم به محفوف بالمخاطر ولا أحد يعلم ساعة الصفر لتبج طالما لا حلول سياسية ولا اصلاحات، فالمصرف المركزي ليست لديه عصا سحرية لضبط سعر الصرف، والتدابير المتخذة حالياً ليست مستدامة الى ما لا نهاية لأن حاجات الدولة أكبر من تحصيلها ولتتحمل الحكومة المسؤولية”.

على المقلب الآخر، شرح اقتصاديون أصحاب خبرة عالية لموقع “لبنان الكبير” أن منصة “بلومبرغ” هي تحرير كلي لسعر الصرف بصورة مقنعة وملتوية، والحكومة ليست لديها الجرأة لمواجهة المجتمع والاقتصاد فذهبت الى اختراع هو بمثابة تحرير فعلي لسعر الصرف، فالحاكم السابق كان يغذي “صيرفة” من السوق السوداء والخسارة تدفع بالليرة اللبنانية وعند الخلل في مكان ما كان يرفع سعر الصرف الى أرقام خيالية لتعويض الخسارة، أي بمعنى آخر “صيرفة” كانت منصة لخسارة أموال يتحملها المصرف المركزي ولكن بالعملة الوطنية، اما “بلومبرغ” فهي منصة تداول تتحكم بمبالغ التحويل حسب العرض والطلب، واذا ما سجلت كل العمليات عبرها ولم تتمكن من تلبية الطلبات وفقدت التوازن بين العرض والطلب حتماً سيلجأ التاجر أو طالب الدولارات الى السوق السوداء لتأمين احتياجاته، وهذا يؤدي تلقائياً الى ارتفاع سعر الصرف وتبدأ “بلومبرغ” باللحاق به وليس العكس، تماماً كما لحقت “صيرفة” بسعر الصرف.

والعمل الصحيح يكون بتوحيد كل الأسعار وليس تحرير السوق الحرة وترك أموال المودعين محجوزة على ١٥ ألفاً. فاما أن نتحدث باقتصاد ونقد ومال واما “سولفات وسعدنات”، لا أحد ضد تحرير السعر لكن يجب أن يسبقه توحيد لسعر الصرف، وشعار الحفاظ على أموال المودعين يبدأ بخفض سقف السحوبات من ١٦٠٠ الى نصف القيمة وصرفها حسب سعر السوق، ثم ان التوازن بين العرض والطلب مفقود لأن الطلب أكبر بكثير خصوصاً أن جباية الدولة بالليرة، فمن أين سيأتي المصرف بالدولارات لتمويل الدولة؟ نحتاج شهرياً حداً أدنى بين مليار ومليار و٢٠٠ مليون دولار هل سيكون هناك عرض بالقيمة نفسها على المنصة؟ بالتأكيد لا، فلا أحد يفرط بدولاراته الا من هو بحاجة الى الليرة والذي على الأرجح يريد دفعها للدولة التي بدورها ستحولها الى دولار لتأمين مصاريفها وتغطية استمرارية المرفق العام وعدا ذلك أحلام.

يصر الخبراء على أننا قادمون على مرحلة صعبة جداً الا اذا كان هناك من يفكر في جدولة الطلبات، وهي السياسة التي ستوصلنا حتماً الى نموذج الاتحاد السوفياتي وتقنين السلع وتصغير حجم الاقتصاد بدل تكبيره وهذا أخطر ما يمكن أن نصل اليه عبر المنصة، ثم ان التحويل الى الخارج لا يحصل من دون موافقة اللجنة الخاصة ما سيدفع التاجر الى تحويل أمواله بطرق غير رسمية لتأمين عمليات الاستيراد.

اذاً، هل لبنان يسير نحو اقتصاد موجه أو الى اقتصاد فاشل خرج منه النظام العالمي؟ وهل طبيعة الشعب اللبناني تنسجم مع هذا الاقتصاد؟

في النتيجة المصرف يريد الاستمرار وتأمين الاستقرار بالحدود الدنيا وسد عجز الدولة وتلكؤ المسؤولين عن ايجاد الحلول، والاقتصاديون يحذرون من تقليص حجم الاقتصاد وتغيير وجهة لبنان الاقتصادي والدخول في وجه اقتصادي يصعب الخروج منه، ويرون أن “بلومبرغ” هي تخلٍ رسمي للدولة عن واجباتها ومسؤولياتها و”ترقيعة خطيرة من بعدها الانفجار”.

شارك المقال