الدولار بعد الاعتذار… فرصة للمضاربين بلا سقف

فدى مكداشي
فدى مكداشي

من الطبيعي أن يرتبط سعر صرف الدولار بالوضع السياسي إضافة إلى المعطيات الاقتصادية والمالية. فلبنان ليس مثل باقي الدول ولطالما كان وما زال يعاني من الجغرافيا والصراع “العربي-الإسرائيلي” وحتى بعد عودة الاستقرار نتيجة اتفاق الطائف ومرحلة الإعمار التي أرساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بقي اقتصاده الوطني “مدولراً” بنسبة كبيرة. و”الدولرة” هذه تجعل من الوضع السياسي عاملاً مؤثراً جداً على سعر صرف الليرة اللبنانية.

والذي حصل أن مصرف لبنان حاول جاهدا من خلال التعاميم والقرارات النقدية والمالية أن يضبط سعر صرف الليرة وأن يكبح جماح ارتفاع سعر صرف الدولار ولكن كل إجراءاته لم يرافقها استقرار سياسي ولا إرادة سياسية لإنجاحها. وهذا ما شهدناه بعد اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري، إذ بدأ سعر الدولار يأخذ منحى تصاعدياً وفعلاً بدأت السوق الموازية تشهد ارتفاعاً سريعاً حيث لم تمر ثلاث ساعات حتى وصل سعر صرف الدولار إلى ٢٢ ألف ليرة وهذا يؤكد ارتباط المعطى السياسي بالوضع المالي والنقدي.

وعن التوقعات لسقف الدولار بعد الاعتذار، يشير كبير الاقتصاديين في مجموعة “بنك بيبلوس” نسيب غبريل، إلى أنه لا يريد الدخول في “تكهنات” قد تساهم بخدمة مصالح المضاربين، معتبراً أن “هذا السعر هو سعر اصطناعي والمضاربون هم الذين يتحكمون بالسوق ويستغلّون الأوضاع السياسية والفراغ والجمود ليفعلوا ما يريدونه”.

الإجراءات المطلوبة

أما بالنسبة للإجراءات السريعة التي يجب اتخاذها للجم ارتفاع سعر الليرة مقابل الدولار، تساءل غبريل “أين قانون الكابيتال كونترول؟”، معتبراً أنه “أحد الإجراءات التي تظهر نوعاً من الجدية بالتعاطي والتي كان يجب إقرارها مع بدء الأزمة في أيلول ٢٠١٩، ولكن المشروع لم يُقدّم للجلسة العمومية لمجلس النواب ليناقش قبل إقراره. بالإضافة إلى ذلك، وقف التهريب الذي يعد إشارة قوية بالجدية بالتعاطي وهو يساهم بوقف ارتفاع الدولار. من جهة أخرى، لم تثبت الطبقة السياسية جدية بالإصلاحات بل برهنت أنها عبء على الاقتصاد اللبناني والدليل على ذلك المماطلة بتشكيل حكومة إنقاذية أولويتها البرنامج الإصلاحي الذي يخوّلها التفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل استعادة الثقة لإعادة استقطاب رؤوس أموال من الخارج واليوم لا يوجد أي مجال إلا من خلال صندوق النقد وهذا يتطلب خطة من السلطات المحلية للتفاوض معهم إلا إذا كان لديهم مصدر آخر لتدفق رؤوس الأموال”.

التحويلات الخارجية

وعن تصريح الخبير الاقتصادي أنطوان منسى الذي أعلن قبل أيام عن ورود مبلغ ٨ مليارات دولار أميركي عبر المغتربين اللبنانيين والوافدين من اللبنانيين خلال العام ٢٠٢١ حتى تاريخه، أوضح غبريل أن “هناك تحويلات يرسلها المغتربون إلى أهلهم منذ عشرات السنين ومعدلها هو ٧ مليارات دولار سنويا وقد بلغت ٦ مليارات و٣٠٠ مليون دولار أميركي في عام٢٠٢٠ حسب تقديرات البنك الدولي. ولكن في العام  ٢٠٢١، لا يوجد حتى الآن أرقام رسمية أو تقديرات من البنك الدولي ولكن هناك بعض الإيحاءات من مصرف لبنان أنه من خلال تحويلات المغتربين والمساعدات النقدية من الخارج كمؤسسات متعددة الأطراف ووكالات الأمم المتحدة وجمعيات غير حكومية لمساعدة المتضررين في انفجار مرفأ بيروت وغيرها من المساهمات، بلغت تقريباً الرقم المذكور”.

ويشير غبريل إلى أن “الاقتصاد اللبناني أصبح يرتكز على الاقتصاد النقدي أو الـ Cash Economy ما يشكّل نسبة 30 في المئة من حجم الاقتصاد الكلي الذي قدّر بـ٥٣ مليار دولار أميركي مع نهاية عام ٢٠١٩. أما حالياً فيقتصر الحجم الكلي للاقتصاد على ١٨ مليار دولار “الاقتصاد النقدي” الذي كان يشكل ٣٠٪ قبل الأزمة وأصبح حجم الاقتصاد الكلي بعد الأزمة”، موضحاً أن “الاقتصاد النقدي يعزز عمل السوق الموازية والتهرّب الضريبي في وقت تحجب الأموال نتيجة تراجع الثقة بالشيكات والتحويلات المصرفية والتدفقات المالية داخليا وخارجياً”.

خطوات مصرف لبنان

وعن العمليات والخطوات التي اتخذها المصرف المركزي على صعيد إنشاء منصة “صيرفة” وغيرها من الأمور، فإن السوق الموازية لا تزال خارجة عن السيطرة. وفي هذا السياق، يوضح غبريل أن “المنصة أهدافها متواضعة. فهي أولا تهدف إلى وقف تراجع سعر صرف الليرة وليس تحسينه، والهدف الثاني الذي يريد شراء الدولار أن يلجأ الى المنصة بدلا من الذهاب الى السوق الموازية، وثالثاً أن يكون هناك شفافية في عملية شراء الدولار. ولكن الذي حدث أن المنصة المحددة على سعر ١٢ ألف هي فقط محصورة بتعميم ١٥٨ وتوقفت عن بيع الدولار للتجار على سعر ١٢ ألفاً كونهم يشترون الدولار بـ١٢ ألفاص ويبيعون البضائع على سعر السوق الموازية وبالتالي أصبحت المنصة غير ذات فائدة”.

استنزاف الاحتياطي

وعن إمكانيات مصرف لبنان وكمية الاحتياطي بالعملات الأجنبية في ظل الاستنزاف الحاصل جراء آلية الدعم العشوائي، يشير غبريل الى أنها عامل آخر للانهيار الحاصل، اذ أنها “تراجعت بـ١٢مليار و٤٠٠ مليون دولار أميركي منذ أواخر حزيران ٢٠٢٠ إلى أواخر حزيران ٢٠٢١ أي ما يشكل هبوطاً بنسبة ٤٥ في المئة لأن المصادر التي كانت تغذي احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية جفّت”.

أما بالنسبة للكلام عن أن مساهمة حجم الكتلة النقدية في السوق أدت إلى تراجع سعر صرف الليرة في السوق الموازية، يعتبر غبريل أنه “ليس سبباً رئيسياً لارتفاع سعر الدولار كون تقييد السحوبات بالليرة من المصارف لم يلجم التدهور في سعر الصرف”.

مؤشرات مالية ونقدية سلبية

يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة أن “كل إجراءات تقييد السحوبات من قبل المصارف باتت مسيئة للاقتصاد بحيث أمعنت بفقدان الثّقة بالقطاع المصرفي وبإعاقة تطور الواقع الاقتصادي”.

ويشير علامة إلى أن “المؤشرات المالية والنقدية كلها سلبية. وقد ارتكبت حكومة تصريف الأعمال مصائب على المستوى المالي والنقدي حيث ساهمت سياسة الدعم المتبعة بهدر ما يقارب الثمانية مليارات دولار أميركي في وقت تقاعست السلطات السياسية عن اتخاذ القرارات الأساسية للجم التدهور والانهيار. بالمقابل، إن إجراءات مصرف لبنان لم تكن كافية لمعالجة الأمر، وهكذا سلك سعر صرف الدولار المسار التصاعدي والأمور آخذة بالتدهور طالما أن السياسيين متقاعسون عن القيام بدورهم”.

إقرأ أيضاً: عجز الميزان التجاري ينكمش… من دون هدف

أما عن المدى الذي يمكن أن يصل إليه سعر صرف الدولار، يعتبر علامة أن “لا سقف محدداً لسعر صرف الدولار ومن الممكن أن يرتفع إلى أرقام قياسية وغير مسبوقة، فعملية لجم سعر صرف الدولار بحاجة إلى تعاون السلطات السياسية والنقدية من خلال التزامهم بتطبيق التعاميم والقرارات لإصلاح الوضع المالي وأيضاً لإعادة بعض الأموال التي أخرجت من لبنان بدل الاستمرار بتهريب ما تبقى”.

وعن الإجراءات التي يجب اتخاذها سريعاً لمعالجة هذه المعضلة، يرى علامة أن “لبنان بحاجة الى مبلغ ٥ مليارات دولار أميركي يتم تأمينه من خلال إما استعادة الأموال المنهوبة والموهوبة والمسلوبة والتي أخرجت من لبنان، أو باللجوء الى صندوق النقد وإنهاء المفاوضات سريعاً للحصول على الدعم بنفس القيمة تقريباً”.

شارك المقال