التضخم المفرط على الأبواب… فهل يمكن تجنّبه؟

المحرر الاقتصادي

في تقريره منذ أيام، حذر مرصد الأزمة التابع للجامعة الاميركية في بيروت من أن تضخم أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال حزيران الماضي، سيجعل 72 في المئة من الأسر تتعسر في تأمين طعامها.

وجاء هذا التحذير توازياً مع إعلان إدارة الإحصاء المركزي أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر حزيران 2021 سجل ارتفاعاً نسبته 100,64 في المئة بالنسبة للشهر نفسه من العام 2020. كما بلغ تضخم أسعار الاستهلاك خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، 46,10 في المئة. وكان مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر حزيران 2021، سجل ارتفاعاً بنسبة 9,71 في المئة بالنسبة لشهر أيار 2021.

كما جاء عقب تقرير خطير أصدرته منظمة “اليونيسف” بداية الشهر الحالي ونشر مضمونه “لبنان الكبير”، مفاده أن 77 في المئة من الأسر تقول إنها تفتقر إلى ما يكفي من طعام، وأكثر من 30 في المئة منها لديها طفل واحد على الأقل تخطى إحدى وجبات الطعام الأساسية أو نام بلا عشاء، و15 في المئة منها عمدت إلى إيقاف أطفالها عن التعليم، و60 في المئة اضطرت إلى شراء الطعام من خلال مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو اقتراض المال.

وكان الاقتصادي الأميركي الشهير، ستيف هانك، حذر في تشرين الأول من العام 2020 من أن لبنان تجاوز دولة زيمبابوي ليحّل في المرتبة الثانية بعد فنزويلا في التضخم العالمي.

يقول المرصد إن تضخُّم أسعار المواد الغذائية الأساسية يستمر في الارتفاع ليبلغ مستويات غير مسبوقة، وإن

هذا التضخُّم الكبير الحاصل في أسعار المواد الغذائية يرتبط بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار، حيث خسرت العملة الوطنية حوالي 99 في المئة من قيمتها خلال أقل من عامين. ويتوقع أن يستمرَّ هذا التضخُّم مع ترقب انخفاضٍ أكبر سيطرأ على قيمتها خلال الأشهر المقبلة، علماً أن لبنان يستورد معظم حاجاته الغذائية من سلعٍ أو موادَّ أولية من الخارج.

ما سبق ذكره يؤشر إلى أن لبنان يمر بأخطر المراحل على الإطلاق. فنحن نتجه للأسف إلى مرحلة التضخم المفرط التي ستدخل البلاد في دوامة قد يصعب الخروج منها.

ماذا يعني ذلك؟ وفق التعريف الاقتصادي للتضخم المفرط أو الجامح، فـ”هو أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق، ما يؤدي إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية. ويُعرفه الاقتصاديون بأنه الحالة التي يزيد فيها معدل الزيادة في الأسعار عن 50 في المئة شهرياً، وهو بشكل عام معدل مرتفع جداً للزيادة في أسعار السلع والخدمات. وعلى ذلك، فإن التضخم الجامح هو حالة من التضخم الحاد الذي تأخذ فيه معدلات الزيادة في الأسعار ما يقارب 1300 في المئة سنوياً أو أكثر. وفي حالات التضخم الجامح الحاد تصل الزيادات في الأسعار إلى أرقام فلكية، بحيث تصبح النقود بلا قيمة تقريباً، وهذا التضخم يكون مُرتفعاً جداً. وهو أقسى وأخطر أنواع التضخم”.

هذا التعريف ينطبق على الحالة اللبنانية. فالكتلة النقديّة المتداولة اليوم خارج مصرف لبنان بالعملة المحليّة باتت تتعدى الـ50 ألف مليار ليرة (وفق أرقام 10 حزيران 2021) وبزيادة نسبتها حوالي 98 في المئة عن الفترة نفسها من العام 2020. فيما كان حجم الكتلة النقدية لا يتعدى الـ6 آلاف مليار ليرة في تشرين الأول 2019 حين اندلعت الثورة.

وهذا ما يتسبب بالطبع في المزيد من تدهور الليرة لتصبح في مصافي عملات دول عانت الجوع الناتج عن التضخم المفرط.

أسباب التضخم الهائل في كتلة النقد في التداول معروفة، ومرتبطة بشكل كبير بتطبيق التعميم 151 الذي سمح للمودعين بسحب مبلغ من ودائعهم الدولارية على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد، وهو ما أدى إلى مفاقمة تدهور العملة المحلية بسبب مسارعة المودعين الذين سحبوا أموالهم على سعر الصرف المذكور إلى تحويل المبالغ بالليرة إلى الدولار معززاً بذلك الطلب على العملة الخضراء. أضف إلى ذلك، اضطرار مصرف لبنان إلى طباعة الليرة بغرض تمويل عجز الموازنة مع استمرار الشح في حجم الايرادات العامة في مقابل استمرار ارتفاع النفقات.

إقرأ أيضاً: أهل البقاع يترحّمون على “مونة” أيام زمان

ومن شأن التدهور الكبير في سعر صرف الليرة أن يعقد جهود الإنقاذ الاقتصادي التي يجب أن تترافق مع إعادة هيكلة القطاع المالي والقطاع العام. فالعودة الطبيعية إلى الانتظام المالي لا يمكن أن تستقيم من دون توحيد أسعار الصرف المتعددة الموجودة راهناً بالتوازي مع رفع تدريجي للدعم. ويجب أن نقر هنا بفشل منصة “صيرفة” في مهمتها والتي كان مصرف لبنان يحاول من خلالها امتصاص الكتلة النقدية المتداولة في السوق. فالهامش بين سعر صرف المنصّة والسعر الرسمي وسعر صرف السوق الموازية واسع جداً، بحيث ستكون مهمة تقليصها وتوحيدها صعبة من دون رفع كبير لسعر الصرف الذي سيصار إلى تعويمه.

أما من جهة تضخم الأسعار بوتيرة تفاقم الـ50 في المئة شهرياً لحصول التضخم المفرط، فإن لبنان يدنو يومياً من هذا الخطر مع الخوف من تغيّر الأسعار كل بضع ساعات في اليوم الواحد وبمعدّلات مرتفعة نسبياً.

كل ذلك لنقول إن بلوغ عتبة التضخم المفرط في لبنان بات قريباً، وإن الخروج منه، كما حصل مع دول عديدة عانت منه، سيكون مكلفاً وسيستوجب اتخاذ إجراءات شديدة الصرامة يكون الشعب هو الضحية فيها.

شارك المقال