ودائع السوريين… ياما إلها ستي عند جدي

هدى علاء الدين

هي ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها الرئيس السوري بشار الأسد أن العائق الأكبر أمام الاستثمار في بلده يتمثل في الأموال السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية المتعثرة، والتي قدّرها بحوالي 40 و60 مليار دولار. الأسد الذي اختار التوقيت الأمثل لتبرئة نفسه من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة، أشار إلى أنه لا يعرف ما هو الرقم الحقيقي لقيمة الودائع، لكن هذا الرقم بالنسبة لاقتصاد مثل اقتصاد سوريا هو رقم مخيف، إلا أنه تناسى في الوقت نفسه أن إجمالي الخسائر الاقتصادية التي قدرتها الأونيسكو عام 2020 أي بعد ثماني سنوات من الحرب قد وصلت إلى حوالي بـ 442.2 مليار دولار (117.7 مليار دولار مجموع القيمة التقديرية لتدمير رأس المال المادي

و324.5 مليار دولار قيمة الخسائر المقدرة في الناتج المحلي الإجمالي)، فهل يعلم من يتحمّل مسؤوليتها؟… يا له من عذرٍ أقبح من ذنب!!!

تُشير الأرقام والمعطيات المالية، إلى أن قيمة ودائع السوريين في لبنان تُشكل نحو 6 في المئة فقط من إجمالي الودائع أي أنها لا تتجاوز 7 مليارات دولار، وتعود بحسب الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، إلى أفراد سوريين عاديين وتجار يحملون الجنسية اللبنانية، أو لمن يتم تصنيفهم ضمن فئة غير المقيمين التي تتضمن أفراداً يقيمون في سوريا أو خارجها.

يقول الأسد، إن الاقتصاد السوري كان سيكون بخير فيما لو لم يتمّ احتجاز أموال المستثمرين السوريين في المصارف اللبنانية، ونحن نقول له إن الاقتصاد اللبناني كان سيكون بخير لولا سياسة الفساد والعمولات والسمسرات التي عبثت بأموال اللبنانيين، ولولا أزمة النزوح التي كلّفت لبنان مليارات الدولارات، ولولا استباحة الحدود من أجل تهريب أنشأ منظومات اقتصادية على حساب اقتصاد لبنان.

تكلفة النازحين السوريين

أثقلت أزمة نزوح السوريين كاهل لبنان المنهك أصلاً بالأزمات، فكانت نتائجها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية كارثية، إذ تشير أرقام المفوضية السامية للاجئين إلى أن عدد النازحين السوريين وصل إلى 1.5 مليون لاجئ (حوالي ربع سكان لبنان) عام 2019، في حين قدرت تكلفة هذا النزوح وتبعاته بحوالي 20 مليار دولار، توزعت على الاقتصاد والخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم والبطالة وغيرها. وبحسب البنك الدولي، فإن محركات الاقتصاد اللبناني المتمثلة بقطاع العقارات والبناء والتمويل والسياحة، تباطأت بسبب الأزمة السورية منذ العام 2011، بحيث لم تتعد مساهمة القطاعات المنتجة من الناتج المحلي الإجمالي الـ 14 في المئة فقط.

كما قدّر البنك الدولي وجود 240 ألف طالب سوري في المدارس الحكومية اللبنانية وهو أكثر من ثلثي عدد الطلاب اللبنانيين، لتبلغ الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي 350 مليون دولار. أما على صعيد سوق العمل، فقد أظهرت الأرقام أن اليد العاملة السورية النازحة لعبت دوراً سلبياً في ارتفاع نسبة البطالة في لبنان التي وصلت إلى 36 في المئة (ما يعادل 660 ألف عاطل عن العمل)، ارتفاعاً من 11 في المئة عام 2011. وتظهر التقديرات أن ما بين 250 و300 ألف مواطن لبناني، معظمهم من الشباب قد أصبحوا في عداد العاطلين عن العمل. كما شهد القطاع الصحي ارتفاعاً في نسبة الإنفاق في الصرف الصحي بنسبة 40 في المئة، لاسيما وأن أكثر من 75 في المئة من النازحين السوريين هم من النساء والأطفال.

وفي تقرير أعده البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، قُدرت تكلفة النزوح السوري على لبنان بحوالي 20 مليار دولار منذ بدء الحرب.

صحيح أن لبنان حصل على حوالي 10 مليارات دولار على شكل مساعدات، أي نصف التكلفة التي تكبدها، إلا أن مبلغ 10 مليارات دولار ليس بالمبلغ الذي يستطيع لبنان تحمله في ظل كل ما كان يعانيه من تدهور غير مسبوق على مختلف المستويات.

تكلفة انتعاش التهريب

يشهد أكثر من 130 معبراً غير شرعي عبر الحدود اللبنانية السورية على تهريب على عينك يا تاجر لسلع ومواد أساسية يدعمها مصرف لبنان من أموال اللبنانيين كالمشتقات النفطية والطحين والدواء، في ظل غياب واضح لرقابة الدولة. وقد نتج عنه ارتفاع ملحوظ في أسعار المحروقات وشح في مخزونها في الأسواق الداخلية اللبنانية، فحاجة السوق السوري للبنزين اللبناني المدعوم مهما ارتفعت تسعيرته والفرق في الأسعار بين البلدين تدفع بتهريبها إلى سوريا لتحقيق أرباح طائلة، لا سيما وأن تكلفته لا تزال أقل بكثير مما هو عليه في السوق السوري.

دفع لبنان ثمن سلاسل التهريب إلى سوريا باهظاً، مهدداً أمنه الغذائي والاجتماعي والصحي، فلبنان الذي كان يدفع حوالي 300 مليون دولار لعمليات الاستيراد من الخارج شهرياً، يحتاج اليوم إلى مليار دولار لاستيراد سلع ومواد رئيسية لا تعود بالمنفعة على المواطن اللبناني بل تُهرب إلى سوريا. ومن أصل كل 100 دولار يضعها لبنان في الدعم يخسر منها 40 دولاراً في التهريب عبر الحدود، فيما تقدر التكلفة الاقتصادية لتهريب البنزين والمازوت إلى سوريا بحوالي نحو 235 مليون دولار سنوياً، وذلك بحسب الدولية للمعلومات.

إقرأ أيضاً: ذا غارديان”: “أمل” العملاقة تنطلق أخيراً على درب اللاجئين

إن كان الرئيس السوري يودّ محاسبة لبنان على ودائع شعبه المحتجزة في المصارف اللبنانية، فعلينا أيضاً أن نحاسب على تكلفة وجود النازحين السوريين ودورهم في تقافم الأزمة الإقتصادية، وعن تكلفة تهريب السلع الأساسية والمواد الغذائية المدعومة من جيوب اللبنانيين والتي استنزفت الاحتياطي الإلزامي من العملة الأجنبية لتمويل استيراد سلع لا يحتاجها السوق اللبناني، مرتفعةً من 4 مليارات دولار سنوياً في 2015 إلى أكثر من 6 مليارات دولار عام 2021، وعن تكلفة البطالة التي سببتها الأيدي العاملة السورية والتي حرمت العديد من اللبنانيين من وظائفهم، وعن تكلفة ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية التي استنزفت القطاع الصحي، فضلاً عن تكلفة استهلاك الكهرباء التي وصلت إلى حوالي 333 مليون دولار سنوياً. نعم، هي كلها عوامل ساهمت في ترك آثار اجتماعية واقتصادية ومعيشية خطيرة، زادت من أعداد الفقراء وأسهمت في تراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وخسّرت الاقتصاد اللبناني ما يقارب الـ 7,5 مليارات دولار في السنوات الثلاث الأولى لبداية الأزمة السورية (2011-2014)، فأي ثمن لهذه الخسائر كلها؟ وبكم تُقدر؟ وكيف يُمكن تعويضها؟.

إذا كانت مقولة “شعبٌ واحدٌ في بلدين” بالأمس قد أرست معادلة سياسية في زمن البحبوحة، فحري بها أن تتحول اليوم في زمن الانهيار إلى معادلة اقتصادية لتصبح “مالاً واحداً في بلدين”، وبالعربي المشبرح “ياما إلها ستي عند جدي وكلو بحقو والشمس طالعة والحدود شاهدة”….

شارك المقال