الكهرباء بالقطارة… وأهلاً بالظلمة القادمة

هدى علاء الدين

يزداد جحيم اللبنانيين جحيماً وحراً ولهيباً مع استمرار انقطاع الكهرباء والتقنين الأكثر من قاس في اشتراك المولدات نتيجة النقص الحاد في مادة المازوت والتي أصبحت أسعار اشتراكاتها تحلق في سماء التهريب والكارتيلات ورهن أيدي مافيات المولدات القابضة على الأرواح والأنفاس. فاللبنانيون الذين اعتادوا غياب كهرباء الدولة لأسباب بات يعرفها القاصي والداني التي دائماً ما تحمل عنوان الهدر والفساد، يبدو أنهم سيعتادون قريباً على ظلمة حالكة ووضع سوداوي آتٍ.

أخر فصول العتمة الآتية، ما أعلنته مؤسسة كهرباء لبنان في بيانها الذي وثقته بتبريرات وحجج تلقي بها اللوم على تعذر تحويل المبالغ المجباة بالليرة اللبنانية لفواتير الاشتراكات بالتغذية بالتيار الكهربائي، إلى عملة صعبة لدى مصرف لبنان لزوم شراء قطع الغيار المناسبة والمواد الاستهلاكية والكيميائية الضرورية، وتسديد ثمن استجرار الطاقة من الباخرتين المنتجتين للطاقة، وإجراء الصيانات العامة والدورية اللازمة في كل من قطاعات الإنتاج، النقل والتوزيع في مؤسسة كهرباء لبنان، متناسية أن ما آلت إليه من أوضاع هي من جني يديها وقطاف ثمار سمسراتها وصفقاتها المشبوهة. فكان البيان بمثابة بشرى للبنايين لقرب الدخول في مرحلة الخطر وصولًا إلى الوقوع في الانقطاع العام في إنتاج الطاقة الكهربائية، إذا ما استمرت الأمور على حالها، سيما لناحية عدم تأمين أي تسهيلات لدى الجهات المعنية لتوفير العملة الصعبة.

وفي هذا الإطار، ألقى تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية الضوء على تداعيات أزمة الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي المستمر في عدد من دول الشرق الأوسط وإشعاله شرارة الاضطرابات بسبب آليات تقنين استهلاك الطاقة وتسجيل عدد من الوفيات بين المواطنين في وقت تشهد فيه المنطقة ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة. التقرير الذي أعدّه كل من مديرة مكتب الصحيفة في العاصمة العراقية بغداد لويزا لوفلوك، ومدير مكتب الصحيفة في إسطنبول كريم فهيم، ومراسلة الصحيفة في بيروت سارة دعدوش، أشار إلى أن موجات الحر غير المسبوقة التي تشهدها معظم دول منطقة الشرق الأوسط تزامناً مع نقص مصادر الطاقة، أغرقت المنازل والمؤسسات التجارية بداية من لبنان ووصولًا إلى إيران في ظلام دامس وأثارت غضب السكان واحتجاجاتهم مع نفاد صبر الأسر الفقيرة واستيائهم من شدة الحر القائظ، في حين يحافظ العديد من الأثرياء على هدوئهم باستخدام مولدات الطاقة الاحتياطية.

وبحسب التقرير، فإن الانهيار الاقتصادي المأسوي الذي شهده لبنان في الأشهر الأخيرة ترك الحكومة من دون الوقود اللازم لتوفير الكهرباء طوال معظم ساعات اليوم، إذ تعمل الدولة بأسرها حالياً على المولدات، في حين توقف الموقع الإلكتروني الخاص بشركة الكهرباء التابعة عن العمل، والذي كان يُستخدَم لعرض عدد ساعات انقطاع الكهرباء.

إقرأ ايضاً: ساعة الكهرباء اليتيمة إذلال جديد للبنانيين؟

هذا وقد دفع انقطاع التيار الكهربائي المستشفيات في لبنان والعديد من دول المنطقة إلى حافة الأزمة على نحو خطير بعدما أنهكها وباء فيروس كورونا المستجد الذي وضعها أمام تحديات قاسية وصعبة على نحو استثنائي. وفي حين تكافح المؤسسات العائلية من أجل البقاء والاستمرار، تنار مصابيح الشوارع بالكاد في بعض المدن. ويعود السبب في ذلك إلى عقود من الإهمال وسوء التخطيط والإدارة السيئة وقلة الاستثمار في قطاع الطاقة التي تركت شبكاته عاجزة عن التكيف مع التغير المناخي، تزامناً مع أزمات اقتصادية تعصف بهذه الدول التي تكافح حكوماتها حالياً لشراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة.

قريباً، ستتوقف الحياة في لبنان بسبب الفساد والهدر والعجز التي كبّلت التيار الكهربائي خلال عقود، محوّلةً ليالي لبنان إلى ظلمة دامسة عن سابق تصور وتصميم، تاركةً مصير قطاعاته وحياة شعبه في مهب مخططات قاتلة وسياسات فاشلة… فأهلاً بالظلمة الآتية!.

شارك المقال