القطاع الصناعي في خطر… زيادة أسعار الكهرباء تفاقم المعاناة

راما الجراح

القطاعات الصناعية في لبنان تدفع الثمن الأكبر نتيجة الأزمات المتتالية والمتراكمة من أزمة اللجوء السوري وتبعاته، إلى إنهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وصولاً إلى إنفجار مرفأ بيروت وجائحة كورونا، والشغور الرئاسي ومؤسسات الدولة المتخبطة في الاضرابات، وتداعيات حرب غزة على لبنان. ومع تراجع حجم الأعمال، وتنامي معدلات الهجرة، وتدنّي مستوى الدخل والمعيشة، وبينما تكافح قطاعات الانتاج للصمود في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، جاءت الزيادة على أسعار الكهرباء لتفاقم معاناتها، أرقام هائلة حملتها فواتير مؤسسة “كهرباء لبنان” تجاوزت كل التوقعات وشكلت صدمة كبيرة للصناعيين الذين أدركوا مدى عدم اكتراث الدولة لأمرهم بعدما كانوا يأملون بوسائل لدعمهم.

وبدلاً من تقديم الدعم للصناعة الوطنية وتخفيف وطأة الأزمات المتلاحقة التي تواجهها منذ سنوات طويلة، جرى زيادة التعرفة الكهربائية وإلغاء الإمتياز الممنوح للصناعة والذي كان بمثابة دعم غير مباشر للمصانع، بدءاً من سعر الكيلو واط الذي ارتفع من سبع سنتات قبل الأزمة إلى ستة وعشرين سنتاً، مروراً بإلغاء سياسة التسعير وفقاً لأوقات الاستهلاك (نهار، ليل، ذروة)، وصولاً إلى إضافة زيادة بقيمة ٢٠٪ عن سعر صرف الدولار، فضلاً عن ضريبة القيمة المضافة على إجمالي الفاتورة.

آثار الزيادة ظهرت بحدّة في المناطق التي تتغذّى من معامل الليطاني الكهرومائية والتي تستفيد من ساعات تغذية تصل إلى عشرين ساعة يومياً، إذ تجاوزت الفاتورة الشهرية لأحد معامل الحجر مبلغ ملياري ليرة لبنانية، بحسب سليم مهنا، صاحب معمل للحجر في منطقة راشيا، الذي أكد عبر “لبنان الكبير” أنه تم تشكيل لجنة من أصحاب المؤسسات والمصالح المتضررة لمتابعة أزمة غلاء أسعار الكهرباء، وقامت بمراجعة المسؤولين وتوصلت إلى تحقيق بعض المطالب التي لم تكن كافية وذات جدوى حقيقية في تخفيف أعباء التعرفة الباهظة، خصوصاً تعرفة الكهرباء للمحطات المتوسطة التي تزود المعامل بالكهرباء.

ومن المطالب الأساسية التي تصر اللجنة على تحقيقها لأنها محقة، ذكر مهنا ضرورة تخفيض سعر الكيلو واط إلى ١٥ سنتاً، واعتماد تعرفة مخفضة خاصة بالصناعيين أسوة بجميع دول العالم، وإلغاء تعرفة “الطاقة العكسية” المفروضة على المحطات الخاصة والتي تصل إلى ما بين ١٠ الى ٢٠٪ من قيمة الفاتورة الاجمالية، بالاضافة إلى إلغاء تعرفة “هدر المحول”، مشدداً على وجوب العمل على جدولة الفواتير الصناعية تصاعدياً على أساس الشطور، لأجل حماية المهن والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإعادة نظام الاحتساب على أساس توقيت “ليل، نهار، ذروة”، وتفعيل الجباية وزيادة ساعات التغذية والاعلان عن برنامج التقنين المعتمد بصورة واضحة، وأيضاً مكافحة الهدر على الشبكة وعدم تحميل تكاليفه للمشتركين النظاميين الملتزمين بالدفع، والسعي الى الغاء ضريبة القيمة المضافة على فواتير المؤسسات الصناعية.

تسعة مطالب أساسية فقط كفيلة بتغيير أوضاع الصناعيين وتخليصهم من معاناتهم، ولكن بحسب مهنا “الدولة استبدلت سياسة دعم القطاع الصناعي وحمايته بزيادة خيالية على أكلاف الانتاج، ستؤدي حتماً إلى إضعاف مناعته التنافسية أمام البضائع المستوردة، وتحرمه من فرص النمو والتصدير، والاسهام في تعزيز السيولة المحلية من العملات الأجنبية، فضلاً عن إمكان توقف العديد من المصانع وإقفالها نهائياً، أو خروجها إلى حيث تتمتع بالتسهيلات والحماية المناسبة، وبالطبع التأثير المباشر على استقطاب الاستثمارات الجديدة في القطاع الصناعي”.

إذاً، في ظل تلكؤ المسؤولين عن المعالجة الجدية للصناعيين ولا سيما مع امتناع غالبيتهم عن دفع الفواتير، يعني أن المشكلة تزداد صعوبة، بالاضافة إلى أزمة أسعار الكهرباء، وفيما تتنافس دول العالم لتقديم أفضل التسهيلات لصناعاتها المحلية لتمكينها من الصمود في وجه المنافسة الأجنبية، تأتي قرارات الدولة اللبنانية لتخيّب آمال الصناعيين، فهل من مجيب؟

شارك المقال