السعودية تطلق “ثورة ذكاء اصطناعي” بـ 40 مليار دولار

هدى علاء الدين

يُشكل الذكاء الاصطناعي عصباً حيوياً في مسيرة المملكة العربية السعودية نحو تحقيق رؤية 2030، بحيث تمثل المشاريع المتعلقة بهذا المجال 70 في المئة من إجمالي المشاريع المرتبطة بالرؤية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ليكون بذلك أحد أهمّ الركائز الأساسية التي تُبنى عليها خطط التنمية المستقبلية، وعنصراً محورياً في المشاريع الضخمة التي تعوّل عليها المملكة في رسم ملامح مستقبلها.

نيوم، المدينة الذكية على البحر الأحمر، تُجسد نموذجاً بارزاً لدور الذكاء الاصطناعي في تحقيق رؤية المملكة، بحيث ستعتمد هذه المدينة المُستقبلية على أنظمة ذكية متطورة لرصد الآثار البيئية، وتحليل تحركات الزوار، وتوفير معيشة ذكية لسكانها. وستسخر تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة داخل نيوم، بدءاً من إدارة الطاقة والبيئة، مروراً بالنقل الذكي، وصولاً إلى الخدمات الصحية والتعليمية.

ومع التقدم البارز في الذكاء الاصطناعي خلال الفترة الأخيرة، تُدرك المملكة أهمية تقنياته الثورية، وتُؤكّد ضرورة الافادة منها في مختلف المجالات لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، وتعزيز كفاءة الانتاج في جميع القطاعات، وخلق فرص عمل جديدة. وعليه، تستهدف تدريب 2000 متخصص سعودي في البيانات والذكاء الاصطناعي خلال السنوات العشر المقبلة من أجل بناء قاعدة معرفية قوية تدعم طموحات المملكة في هذا المجال.

المملكة في الصدارة

ومؤخراً، حصدت السعودية المركز الأول عالمياً في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة “Tortoise Intelligence”، في إنجاز تاريخي جديد يضاف إلى سجلّ إنجازاتها. وتؤكد هذه المرتبة المتقدمة تميز استراتيجية المملكة الوطنية للذكاء الاصطناعي وفاعلية خططها التنفيذية، بحيث حققت نسبة 100 في المئة في معايير المؤشر.

كما حصدت المركز الثاني على مستوى العالم في الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لمؤشر جامعة “ستانفورد الدولي للذكاء الاصطناعي” لعام 2023. ويجسد هذا الإنجاز التزام المملكة الراسخ بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ودمجها في مختلف جوانب الحياة، إيماناً منها بأهميتها في تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين.

صندوق بقيمة 40 مليار دولار

وتخطط المملكة لزيادة استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام المقبلة، من خلال إنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار فيه في النصف الثاني من العام الجاري، في خطوة تعكس تركيزها المتزايد على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، سيكون الصندوق الجديد جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحويل السعودية إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي، بحيث من المتوقع أن يكون خطوة مهمة أخرى في رحلتها نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وابتكاراً.

كما تعكس رغبة المملكة في أن تصبح قوة عالمية رائدة معتمدة على تنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها على صعيد الجغرافيا السياسية من خلال الاستثمارات في مختلف القطاعات. ويُعد صندوق الاستثمارات العامة أحد أهم الأدوات التي تعتمد عليها السعودية لتحقيق أهدافها، بحيث تبلغ قيمة أصوله أكثر من 900 مليار دولار.

ويُتوقع أن يتجاوز الصندوق، الذي يستهدف 40 مليار دولار، المبالغ التي تجمعها شركات رأس المال الاستثماري الأميركية بصورة تقليدية. وسيتبع الصندوق خطى “سوفت بنك غروب” اليابانية، التي كانت لسنوات طويلة أكبر مستثمر بالعالم في الشركات الناشئة.

مركز عالمي للذكاء الاصطناعي

تسعى السعودية إلى أن تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، بحيث تعد الخطوة الاستراتيجية الاستثنائية التي اتخذتها في مجال الاستثمار في هذا المجال بمثابة علامة فارقة في مسارها نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي ودولي رائد.

وتجسد هذه الخطوة أيضاً حرص المملكة على مواكبة أحدث التطورات التقنية والافادة من ثورة الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية. كما تسهم بصورة مباشرة في تطوير قدراتها في مجالات البحث العلمي والتطوير التقني، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية والكفاءات والخبرات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.

شارك المقال