الاقتصاد الاماراتي… تفاؤل متصاعد يتحدى الصعوبات

سوليكا علاء الدين

يُهيمن التفاؤل على مختلف قطاعات الاقتصاد الاماراتي، مدعوماً بأرقامٍ إيجابية تُعزز ثقة المستثمرين وتُؤكد صلابة الاقتصاد وقدرته على الصمود في وجه التحديات للمضي قدماً في خطط التنوع الاقتصادي. وتعزيزاً للنظرة المستقبلية المتفائلة، توقع مصرف الامارات المركزي أن يُسجل الناتج المحلي الاجمالي نمواً بنسبة 4.2 في المئة خلال العام 2024، مع توقعات بارتفاعه إلى 5.2 في المئة في العام 2025. في المقابل، أبقى على توقعاته لنمو بنسبة 3.1 في المئة في العام 2023.

أظهر المركزي أن الرصيد المالي الموحد لدولة الامارات العربية المتحدة حقق فائضاً بلغ 61 مليار درهم خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بما يعادل 4.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ وصلت الايرادات إلى نحو 370 مليار درهم، بينما سجّلت المصروفات نحو 309 مليارات درهم.

مؤشرات مُشجّعة

أشارت توقعات تقرير المراجعة الربعية الصادر عن المصرف المركزي للربع الرابع من العام 2023 إلى نمو الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بنسبة 4.7 في المئة في عامي 2024 و2025، بينما من المرجح أن ينمو الناتج المحلي الاجمالي النفطي بنسبة 2.9 في المئة في العام 2024 و6.2 في المئة في العام 2025.

وقد استمرّ القطاع الخاص غير النفطي في إظهار مؤشرات قوية على النشاط الاقتصادي، بحيث وصل مؤشر مديري المشتريات إلى 56.6 في كانون الثاني 2024، ما يدل على استمرار نمو القطاع الخاص غير النفطي بصورة مستدامة. ويعزى هذا التفاؤل إلى ثقة الأعمال المتواصلة بالتوقعات الاقتصادية، والتي تستند إلى توقعات باستمرار قوة الطلب والمبيعات، الأمر الذي من شأنه أن يدعم توسعاً مطرداً في الإنتاج، إلى جانب احتمال إقامة مشاريع جديدة وزيادة الاستثمار.

وكشف تقرير المركزي أن المؤشرات الايجابية المتعلقة بالتوظيف ونمو الأجور تُبشّر باستهلاك قوي في المستقبل. فقد ارتفع عدد الموظفين في القطاع الخاص، بحسب المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر، بنسبة 3.1 في المئة في الربع الرابع من العام الماضي. كما ارتفع المتوسط المتحرك للرواتب لثلاثة أشهر في الربع الأخير من العام نفسه بنسبة 7.4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022، ما عزز القوة الشرائية للأفراد.

وبحسب التقرير أيضاً، من المتوقع أن يُسهم فرض ضريبة اتحادية على الشركات مؤخراً في تعزيز التمويل الحكومي بصورة كبيرة، كما سيساهم في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على قطاع النفط.

نمو في ظل الضغوط

وفي ما يتعلّق بالقطاع غير النفطي، أظهر مسح حديث أن ظروف أعمال الشركات في القطاع الخاص غير النفطي في الامارات شهدت تحسناً ملحوظاً في شهر آذار، بحيث أدى الارتفاع الكبير في تدفقات الطلبات الجديدة إلى استمرار ارتفاع مستويات الانتاج.

وأوضحت أحدث البيانات الصادرة عن دراسة مؤشر مدراء المشتريات العالمي التابع لـمؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال” أن الشركات في الامارات العربية المتحدة واجهت ضغوطاً كبيرة على أعباء العمل، مع تقارير تفيد بوجود تأخيرات إدارية وزيادة القيود على التوريد بسبب أزمة الشحن في البحر الأحمر.

وقد تراجع مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي في الامارات، الذي تصدره “ستاندرد آند بورز غلوبال” بصورة بسيطة في آذار إلى 56.9 نقطة من 57.1 نقطة في شباط. إلا أنه بقي أعلى بكثير من مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش للشهر الرابع والعشرين على التوالي، ما يدل على تحسن ملحوظ في ظروف التشغيل في القطاعات غير المنتجة للنفط.

وفي الوقت نفسه، ارتفع منسوب التفاؤل لدى الشركات إلى أعلى مستوياته منذ ستة أشهر، بينما واجهت الشركات زيادة أقل في نفقاتها. وعلى الرغم من ذلك، شهدت هوامش الأرباح تراجعاً ملحوظاً، بحيث أدت المنافسة المتزايدة إلى أكبر انخفاض في أسعار المنتجات منذ 3 سنوات ونصف السنة. وبقي الطلب القوي أحد أهم مكونات النمو في الاقتصاد غير النفطي، حيث شهدت الشركات المُشاركة في الدراسة ارتفاعاً حاداً آخر في حجم الطلبات الجديدة.

كما ازداد معدل التوسع، بعد أن سجل في شباط أدنى مستوى له في ستة أشهر، لكنه ظل أضعف قليلاً من مستواه في بداية العام. وارتبط هذا الارتفاع بزيادة تدفقات إنفاق العملاء والحملات التسويقية في العديد من الشركات، بالاضافة إلى زيادة متواضعة في مبيعات التصدير.

طلب قوي وإنتاج متعثر

في المقابل، اتخذت الشركات غير المنتجة للنفط خطوات كبيرة لزيادة مستويات إنتاجها. وسجل ما يقرب من 31 في المئة من الشركات المشاركة نمواً في النشاط خلال فترة الدراسة الأخيرة. وبالاضافة إلى ارتفاع الطلبات الجديدة، أرجعت الشركات محركات النمو إلى المشاريع الجارية والأنشطة الترويجية.

ومع ازدياد الانتاج، واجهت الشركات صعوبات متكررة في إنجاز الأعمال الجديدة، ما أدى إلى أكبر تراكم للأعمال في التاريخ، مساوياً فقط الزيادة التي حدثت في تموز 2018. ووفقاً لتعليقات اللجنة، فقد أدى ارتفاع الطلب إلى ضغوط كبيرة على فرق الادارة، مع إشارة العديد إلى تأخيرات في الدفع والاجراءات الورقية كعوامل رئيسية.

من جهتها، انعكست أزمة الشحن في البحر الأحمر على القدرة الانتاجية للشركات، بحيث أدى انقطاع وصول البضائع إلى عرقلة الانتاج. كما طالت الأزمة مواعيد التسليم، اذ أشارت الشركات إلى تراجع أداء الموردين إلى مستويات غير مسبوقة خلال العام. ومع ذلك، استمر تقلص مدد التسليم عموماً.

أظهرت الدراسة أيضاً أبطأ نمو لمخزون مستلزمات الانتاج خلال عامين في شهر آذار. ويعزى ذلك بصورة أساسية إلى انخفاض رغبة الشركات في التخزين، بحيث أكد العديد منها امتلاكه كمية كافية من مستلزمات الإنتاج لتلبية الطلبات الجديدة.

وقد اتّبع نمو المشتريات مسار مخزون مستلزمات الإنتاج، بحيث انخفض إلى أدنى مستوى له منذ سبعة أشهر، مع الحفاظ على سرعة عالية. ولم ترَ الشركات غير المنتجة للنفط سوى زيادة طفيفة في تكاليف مستلزمات الإنتاج في شهر آذار، وهي أضعف زيادة في العام 2024 حتى الآن. ويرجع ذلك إلى ضعف الزيادة في أسعار المشتريات. وفي المقابل، انخفضت أسعار البيع بأكبر معدل منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وهو ما ربطته الشركات بالمنافسة المتزايدة والحاجة إلى الاحتفاظ بالعملاء.

وخلصت الدراسة إلى أنّ مستويات التفاؤل تجاه نشاط الأعمال المستقبلي سجّلت ثاني أعلى مستوى خلال أربع سنوات، بعد أيلول 2023، مدعوماً بصورة كبيرة بالطلب القوي والأرباح العالية وخطط التسويق الايجابية. وبالتزامن مع ذلك، زادت الشركات أعداد موظفيها بوتيرة أعلى من المتوسط للسلسلة للشهر الثاني على التوالي.

قفزة تاريخية

أما على الصعيد المصرفي، فقفز إجمالي أصول القطاع المصرفي في الامارات العربية المتحدة إلى 4.1 تريليون درهم لأول مرة في تاريخها، وذلك بنهاية شهر كانون الثاني الماضي، وفقاً لأحدث إحصائيات مصرف الامارات المركزي. وأظهر التقرير أن إجمالي الودائع المصرفية ارتفع بنسبة 0.7 في المئة من 5222 تريليون درهم في نهاية كانون الأول الماضي إلى 2.54 تريليون درهم في نهاية كانون الثاني 2024. ويعود ذلك إلى نمو ودائع المقيمين بنسبة 0.9 في المئة مدعوماً بزيادات في ودائع القطاع الحكومي بنسبة 4.7 في المئة وودائع القطاع العام بنسبة 1 في المئة، وودائع القطاع الخاص بنحو 1 في المئة أيضاً.

كما أظهرت البيانات الرسمية أن إجمالي الأصول الأجنبية لمصرف الامارات المركزي ارتفع بنسبة 2.04 في المئة على أساس شهري، من 681.15 مليار درهم في نهاية كانون الأول 2023 إلى 695.04 مليار درهم في كانون الثاني 2024. وارتفعت ايضاً الأرصدة المصرفية والودائع لدى البنوك الأجنبية، والتي تشكل جزءاً من الأصول الأجنبية للمصرف المركزي، إلى 464.86 مليار درهم في كانون الثاني 2024. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 5 في المئة مقارنة بـ 443.43 مليار درهم في كانون الأول 2023.

شارك المقال