باسيل “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”

المحرر الاقتصادي

التغريدة التي نشرها النائب ووزير الطاقة السابق جبران باسيل حول أزمة الكهرباء الحادة ينطبق عليها المثل الشعبي القائل “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.

ففيما كانت تنتشر أخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن أصحاب المولدات في عدد كبير من مناطلق لبنان قرروا إطفاء مولداتهم للنقص الكبير في مادة المازوت التي تُعطى الأولوية في توزيعها بالسعر المدعوم للمستشفيات والأفران ولأصحاب النفوذ، وفي الوقت الذي يتم تهديد اللبنانيين بالعتمة الشاملة حيث المعامل لم تعد قادرة على توفير أدنى مستويات التغذية، فيما الاتفاق النفطي مع العراق لم يبدأ تنفيذه بعد، يفاجئ رئيس “التيار الوطني الحر” الذي تسلم هو وفريقه وزارة الطاقة لأكثر من 12 سنة متواصلة، اللبنانيين العارفين أصلاً بمكمن المشكلة، بتغريدة حاول فيها التبرؤ من مسؤوليته في وصول الكهرباء الى ما هي عليه اليوم. غرّد باسيل قائلاً: “كل ساعة كهرباء عم تنقطع من المعامل عم تكلّف احتياطي الدولار 32% زيادة عن كلفتها من المولّدات الخاصة؛ وكل ساعة مولّد خاص بتكلّف المواطن عشرين مرّة أكتر من ساعة كهرباء الدولة”. أضاف: “كل لحظة عتمة وكل قرش زيادة عم يتكبّدوهم اللبنانيين هم برقبة النواب يلّي كذّبوا على الناس وحرموا كهرباء لبنان شراء المحروقات لتشغيل المعامل يلّي بحاجة لصيانة، والمصرف المركزي عم يرفض صرف دولارات من أموال كهرباء لبنان لشراء قطع الغيار. اعرفوا يا لبنانيي مين عم يعتّم عليكم”.

إن مكمن المشكلة هي ببساطة امتناع باسيل عن تطبيق القانون الرقم 462 الصادر في العام 2002، والذي نص على إنشاء الهيئة المنظمة للقطاع.

وقد يكون من المفيد أن نعيد التذكير ببعض الأمثلة والمحطات التي ستظهر للقارئ بوضوح لا لبس فيه مدى “تورط” باسيل وفريقه السياسي بما يعانيه كل لبناني ومقيم اليوم:

  • في العام 2010، حين أقرت حكومة الرئيس سعد الحريري خطة الكهرباء، اشترطت على باسيل تنفيذها بالشكل السليم، بمعنى التقيد بالقوانين السارية، ومن ضمنها إنشاء الهيئة والتعاون مع الصناديق العربية والدولية بهدف تأمين التمويل للمشاريع المنوي تنفيذها. وهو ما لم يلتزم به باسيل. فحقبة وجوده في الوزارة تميزت بالكثير من المشكلات التي شابت المناقصات التي أجراها نتيجة إصراره على استبعاد رقابة الصناديق العربية والدولية، إضافة الى وعود خاوية بتغذية المناطق اللبنانية بالكهرباء على مدار الساعة في العام 2015. وكانت النتيجة تحميل مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي الخزينة، هدراً وخسائر تخطت إلى اليوم الـ45 مليار دولار، وهو مجموع المبالغ المحولة من الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان.

  • حين تقرر إنشاء معمل جديد بمحاذاة المعمل القائم في دير عمار وبقدرة 450 ميغاواط، أصر باسيل على أن يكون ذلك بتمويل من الموازنة وعبر الاقتراض من القطاع الخاص. بينما كان من المفترض أن يكون إما بتمويل من القطاع الخاص عبر اعتماد نهج المشاركة بين القطاعين العام والخاص، أو أن يصار الى بناء المعمل الجديد بتمويل من القروض الميسرة من الصناديق العربية والدولية كما كان معروضاً على لبنان منذ العام 2009. لكن باسيل أضاع هذه الفرصة ورفض اعتمادها، خلافاً لما تعهدت به الحكومة في حينه أمام مجلس النواب ونص عليه القانون 181 الصادر في العام 2011. فباسيل رفض التمويل المعروض من الصناديق وقرر الاعتماد على التمويل من الخزينة. وهذا يعني في الحقيقة التهرب من الالتزام بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة والإفصاح عن عمليات التلزيم التي يتسم به عادة التمويل المتاح من الصناديق.

  • لقد تفرد باسيل باتخاذ القرار لجهة تنفيذ مشروعي المولدات التبادلية والمعمل الجديد في دير عمار بتمويل من الموازنة، عبر ما أسماه “خطة الطوارئ 700 ميغاواط”، وهو الذي أدى لاحقاً الى إفقاد عملية التلزيم الشفافية والصدقية اللازمتين. للتذكير هنا، فإن خطة الطوارئ قضت بإنشاء معامل جديدة بقدرة 700 ميغاواط بتمويل من موازنة الدولة أو اللجوء إلى التمويل المستتر من المصارف التجارية بشروط مالية مجحفة للبنان. لكن القانون 181 الذي صدر بهدف تمويل الخطة هذه، اشترط على باسيل بشكل واضح تعيين الهيئة الناظمة خلال مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ صدروه (13/10/2011) وتعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان خلال مهلة شهرين. كما تضمن الطلب من رئيس الحكومة التأكد من أن الوزارة سوف تستعين بالتمويل المتاح من الصناديق العربية والدولية وتستنفد مجالات اللجوء إلى هذا الباب قبل أن تلجأ إلى تمويل الخطة من الموازنة وعبر المصارف. لكن باسيل أطاح ببنود القانون، ولم يلتزم بأي منها، بل خالفها ولجأ إلى التمويل من الموازنة، حيث تم هدر المال من دون أن تصل مشاريع الخطة إلى التنفيذ.

  • أدى رفض باسيل اعتماد التمويل من الصناديق لإنشاء معامل جديدة إلى تراجع خطير في مستوى التغذية بالتيار الكهربائي. فلجأ إلى حلول مكلفة كان بالإمكان تفاديها بسهولة. فانبرى إلى الترويج لحل استقدام بواخر لإنتاج حوالي 270 ميغاواط، كحل مرحلي، وتقدم من مجلس الوزراء في جسلته في 25/10/2010 للموافقة على عرض من شركة واحدة متجاوزاً معايير الشفافية والمنافسة. وبين أخذ ورد، رسا المشروع على شركة “كارادينيز” التركية بتأخير حوالي سنتين. علماً أن تكلفة استئجار البواخر هي بالمليارات من الدولارات فيما كان من الأجدى إنشاء معمل إنتاج وكانت تكلفته لتكون اقل من مبالغ الاستئجار بكثير.

  • في جلسته المنعقدة في 28/11/2011، وافق مجلس ادارة مؤسسة كهرباء لبنان بتوجيه من باسيل، على عقد صفقات لتلزيم الاشغال المتعلقة بخدمات التوزيع مع ثلاث شركات تقدمت بعروضها. وقد اتسمت عملية استدراج العروض بالعديد من الشوائب والمخالفات الواضحة لقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة، وللقانون الرقم 462. والحقيقة هنا صادمة. فقد ألزم باسيل مؤسسة الكهرباء بالتنازل عن حقها الحصري بالتوزيع، من دون العودة الى مجلس النواب كما يقضي القانون، وعمل على فتح اعتماد بقيمة 780 مليون دولار في موازنة مؤسسة الكهرباء، على أن يصار إلى تغطية هذا الاعتماد بتمويل من الخزينة العامة سيما وأن المؤسسة تعتمد بشكل كامل على التمويل الذي تؤمنه الخزينة. بمعنى آخر، خالف باسيل أحكام الدستور حيث أجاز لنفسه حق اتخاذ القرار بالموافقة على الاستدانة باسم مؤسسة من مؤسسات الدولة اللبنانية على حساب الخزينة ولصالح المؤسسة من دون الاستحصال من مجلس النواب على قانون يجيز له ذلك، كون المشروع يرتب أعباء والتزامات مالية على الخزينة. وهو ما يشكل مخالفة صريحة لنص المادة 88 من الدستور التي تنص على أنه “لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة إلا بموجب قانون”. وأبعد من ذلك. خالف باسيل البنود الواردة في خطة إصلاح القطاع فحوّل مدة التلزيم من 3 سنوات الى 4، وقسّم المناطق من 5 حداً أدنى إلى 3، وبلغت تكلفة المشروع 780 مليون دولار تتحملها الدولة عوضاً عن القطاع الخاص كما كان مقرراً، متجاوزاً بذلك التكلفة المقدرة للمشروع أساسًا والبالغة 300 مليون دولار بحسب خطته التي وافق عليها مجلس الوزراء.

ما تقدم بعض من الأمثلة تظهر مدى مسؤولية باسيل وفريقه عن التدهور الكبير في قطاع حيوي لا ينقص لبنان الخبرات التقنية لإصلاحه، في ظل تقارير عدة وضعها صندوق النقد والبنك الدوليين في السنوات الاخيرة وفيها حلول لإصلاح قطاع الكهرباء الذي جاء بنداً أول في المباردة الفرنسية.

شارك المقال