العهد يُسقط الدعم بضربته القاضية

هدى علاء الدين

تتفجر أزمات لبنان الواحدة تلو الأخرى، إذ لم يعد بالمقدور السيطرة على الأزمة الاقتصادية التي تستفحل شراستها مع اشتداد الأزمة السياسية التي تضرب بعرض الحائط كافة الأعراف الأخلاقية والإنسانية، فتهاوى دعم مصرف لبنان بعدما أسقطه العهد بضربته القاضية.

معلومات متضاربة تم نشرها هنا وهناك تناولت رفع الدعم كلياً عن المحروقات، وهي إن تم نفيها منذ أيام، أصبحت اليوم واقعاً لا مفر منه، إذ أعلن مصرف لبنان انتهاء عصر الدعم نهائياً، مشيراً إلى أنه اعتباراً من 12 آب 2021، سيقوم المصرف بتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة بالمحروقات، معتمداً الآلية السابقة إياها، ولكن باحتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعاً لأسعار السوق، تاركاً لوزارة الطاقة تحديد الأسعار الجديدة للمحروقات. سلامة الذي مهّد لقراره بمصارحة اللبنانيين نهاية شهر تموز الماضي، أعلن أنه صرف ما قيمته 828 مليون دولار لاستيراد المحروقات توزعت على 708 ملايين دولار لاستيراد البنزين والمازوت، و 120 مليون دولار لاستيراد الفيول إلى كهرباء لبنان، ليصل الاحتياطي الإلزامي إلى أدنى مستوى له منذ عقود مسجلاً 15.03 مليار دولار نهاية تموز الماضي. وبحسب الدولية للمعلومات، فإن رفع الدعم سيرفع سعر صفيحة البنزين إلى 336 ألف ليرة، والمازوت إلى 278 ألف ليرة، في حال تم احتساب سعر صرف الدولار بحوالي 20000 ألف ليرة.

فعلها العهد وأجبر حاكم مصرف لبنان على اتخاذ قرار وقف الدعم وعدم فتح المزيد من الاعتمادات قبل إقرار البطاقة التمويلية التي لا تزال غارقة في اجتماعات لا جدوى منها ولجان لم تكن على قدر من المسؤولية وتعديلات تؤخر عملية إطلاقها، فمنذ شباط العام 2020 ولا تزال الوعود بإطلاقها وعوداً مبعثرة في هواء التعطيل والتنكيل، وهي إن كانت ستعوّض جزءاً قليلاً مما خسره اللبناني في السنتين الأخيرتين، يبدو أنها لم تعد تجدي نفعاً بعد الآن.

نعم، نجح العهد على مدار عامين في إسقاط آخر المداميك في الاقتصاد اللبناني، وهو الذي راهن منذ بداية الأزمة على الاعتماد على الاحتياطي الإلزامي كبديل عن أي حل يعالج الأزمة من جذورها، فتدحرجت كرة الانفجار، وأوقع لبنان في الانهيار المحظور، فشظايا رفع الدعم ستطال مختلف القطاعات الحيوية من الكهرباء إلى المستشفيات والأدوية والأفران والنقل العام والخاص، والمسكن والتعليم وأسعار السلع والخدمات وغيرها الكثير. إذ لم تنفع سياسات العهد الخاطئة باحتواء الأزمات بل زادت من حدتها وتدهورها، وأسهمت في استنزاف حوالي 8 مليارات دولار، لو أجاد العهد استخدامها في خطط بديلة وأكثر نفعاً للمواطن اللبناني لوفّر عليه بعضاً من جحيم جهنم الذي وضعهم فيه.

يدفع اللبنانيون، وهم على أبواب العام الثاني من الفراغ الحكومي، ثمن تلكؤ حكومة تصريف الأعمال في إقرار البطاقة التمويلية، كما يدفع فاتورة منظومة تحكم فوق الدستور والقانون والمحاسبة، وعهد جاهز في كل وقت وحين أن يضع البلاد في جحيم لا يُطاق إشباعاً لرغباته الرئاسية والحكومية. لم يُقتل اللبنانيون في زمن الاستعمار والحرب والدمار كما يُقتلون اليوم… وسائل الموت باتت مختلفة عن الأمس، واستبدلت الأسلحة والذخائر بسلاح رفع الدعم الذي بات القاتل الأكثر شراسة وفتكاً بهم.

شارك المقال