fbpx

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتصدران نمو السياحة العالمي

هدى علاء الدين
تابعنا على الواتساب

بينما تُشير التوقعات إلى عودة أعداد السياح الدوليين ومساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بحلول نهاية العام 2024، يواجه هذا التعافي تفاوتاً ملحوظاً بين مختلف المناطق والقطاعات. هذا ما خلص إليه المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي أشار إلى أنه على الرغم من أن قطاع السفر والسياحة قد تغلب على صدمة كوفيد-19، إلا أنه يواصل التعامل مع تحديات خارجية أخرى، تتراوح بين المخاطر الاقتصادية الكلية والجيوسياسية والبيئية المتزايدة إلى زيادة التدقيق في أعمال الاستدامة وتطبيق التقنيات الرقمية الجديدة مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.

انتعاش غير متساوٍ

يشهد قطاع السفر والسياحة نمواً مستمراً في مرحلة ما بعد الجائحة، لكن الانتعاش كان مختلطاً وغير متساوٍ. وفي حين أظهر 71 اقتصاداً من أصل 119 تحسناً في درجة مؤشر تطوير السفر والسياحة العالمي بين عامي 2019 و2024، فإن متوسط ​​درجة المؤشر لا يزال أعلى بنسبة 0.7 في المائة فقط من مستويات ما قبل الوباء.

ويُعزى هذا الأداء المتباين إلى عوامل رئيسية:

  • ازدياد الطلب العالمي على النقل الجوي: تزامن ذلك مع زيادة القدرة على الاتصال الجوي العالمي، وتحسين الانفتاح الدولي، وارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية والثقافية التي تُشكل مقاصد سياحية.
  • اختلال التوازن بين العرض والطلب: لم تواكب عوامل العرض هذا النمو في الطلب، ما أدى إلى انخفاض القدرة التنافسية على الأسعار وانقطاع الخدمات، بالاضافة إلى ضغوط تضخمية واسعة النطاق.
  • نقص العمالة: لا تزال صناعة السفر والسياحة تعاني من نقص في القوى العاملة، ما يعوق قدرتها على تلبية الطلب المتزايد.
  • قيود البنية التحتية: لا تزال قدرة الطرق الجوية والاتصال في بعض المناطق غير كافية لتلبية احتياجات النمو.
  • نقص الاستثمار: لا يزال الاستثمار في البنية التحتية للنقل والسياحة، وكذلك في مجالات الانتاجية والأقسام الأخرى ذات الصلة، دون المستوى المطلوب.

وأظهر مؤشر تطوير السفر والسياحة 2024 استمرار تحسن ظروف تمكين هذا القطاع الحيوي في مختلف الاقتصادات النامية. وشملت هذه التحسينات 52 من أصل 71 اقتصاداً ذات دخل متوسط إلى متوسط مرتفع. ولكن على الرغم من هذه التطورات الايجابية، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهود لتقريب الفجوة في تمكين قطاع النقل والسياحة. وكانت المملكة العربية السعودية (بزيادة 5.7 في المئة من المركز 50 إلى المركز 41) والامارات العربية المتحدة (بزيادة 4.4 في المئة من المركز 25 إلى المركز 18) الاقتصادين المرتفعي الدخل الوحيدين ضمن قائمة العشرة الأوائل الأكثر تحسناً بين عامي 2019 و2024.

وبدعم من رفع قيود السفر والقيود الأخرى المرتبطة بالوباء والطلب المكبوت القوي، من المتوقع أن يصل عدد السياح الدوليين إلى مستويات ما قبل الوباء في العام 2024، ليصل إلى 88 في المئة من مستوى العام 2019 في العام 2023، بينما تبلغ مساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الاجمالي العالمي البالغ 9.9 تريليون دولار، وهو قريب من مستويات ما قبل الوباء.

أعلى معدلات التعافي

سجلت منطقة الشرق الأوسط أعلى معدلات التعافي في عدد السياح الدوليين الوافدين (20 في المئة أعلى من مستوى 2019)، بينما أظهرت أوروبا، وهي وجهة مرنة تتمتع بتدفقات سفر قوية داخل المنطقة، وإفريقيا والأميركيتان، انتعاشاً قوياً بنحو 90 في المئة في العام 2023. ومن المتوقع في العام 2024، أن يتعزز نمو السياحة العالمية من خلال استمرار تلبية الطلب والنمو في الأسواق الآسيوية الرئيسية بعد رفع قيود السفرعقب تأخير مقارنة بالمناطق الأخرى.

وتضم منطقة الشرق الأوسط اقتصادات ذات دخل مرتفع، بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (على سبيل المثال، الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية). ويستفيد قطاع السفر والسياحة في هذه الاقتصادات من البنية التحتية السياحية والمواصلات الأفضل، بما في ذلك مراكز الطيران وشركات الطيران الرائدة، ووجود شركات كبيرة ومراكز أعمال مهمة تدفع بالسفر بغرض العمل وظروف عمل أكثر ملاءمة ومستويات عالية من السلامة والأمن الشخصي، من بين عوامل أخرى.

من ناحية أخرى، تميل اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الدخل المتوسط إلى أن تكون أكثر تنافسية من حيث الأسعار، بحيث تمتلك اقتصادات مثل مصر والمغرب بعضاً من أكثر الموارد الثقافية جاذبية في المنطقة. ومع ذلك، غالباً ما تواجه عمليات النقل والسياحة في الاقتصادات النامية في المنطقة تحديات تتراوح بين ظروف العمل الأقل ملاءمة إلى مخاوف تتعلق بالسلامة والأمن وثغرات في البنية التحتية للنقل والسياحة.

وقد شهد مؤشر تنمية السفر والسياحة 2024 تحسناً ملحوظاً في درجات الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مدفوعاً بصورة كبيرة بتطورات هائلة في البنية التحتية للنقل الجوي وتعزيز السياسات الداعمة لقطاع السياحة. وحققت المنطقة ثاني أكبر زيادة في درجات البنية التحتية للنقل الجوي (+8.4 في المئة) نتيجةً لتعزيز قدرات شبكات الطيران والمطارات.

وتُدرك دول المنطقة أهمية تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النفط والغاز، لذلك خصصت استثمارات ضخمة لتطوير قطاع النقل والسياحة. وتضمنت هذه الجهود زيادة الإنفاق الحكومي على القطاع كنسبة من الميزانيات، وتخفيف متطلبات التأشيرة، وتعزيز الموارد الثقافية، والتركيز على الاستثمار الرأسمالي في الموظفين. وقد أدت هذه الجهود إلى أكبر زيادة إقليمية في مؤشرات التأثير الاجتماعي والاقتصادي للسياحة والسفر (+ 13.8 في المئة) مع نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي والوظائف في القطاع وتحسين أجور العاملين فيه.

وفي المستقبل، فإن مدى مساهمة قطاع السفر والسياحة في ازدهار بلدان المنطقة وتنوعها لن يعتمد على الاستثمار في عوامل مثل البنية التحتية ومناطق الجذب السياحي وحسب، ولكن أيضاً على الحد من تركيز السياحة على الوجهات الأكثر زيارة وخلق قوة عاملة تنافسية.

أما في الوقت الحالي، فإن قضايا مثل انخفاض مشاركة الإناث في القوى العاملة وما ينتج عن ذلك من فجوة كبيرة بين الجنسين في وظائف السفر والسياحة، وحقوق العمل والحماية الاجتماعية دون المستوى، تحد من الوصول إلى رأس المال البشري، وتقلل من مرونة القوى العاملة، وتقلل من قدرة قطاع السياحة والسفر على تحقيق المنافع المجتمعية. وعلى الرغم من التحسن، فإنه ليس من المستغرب أن تحصل المنطقة على أدنى نتيجة في التأثير الاجتماعي والاقتصادي للقطاع.

تحديات اقتصادية وجيوسياسية

يواجه قطاع السياحة تحديات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة في ظل الظروف الراهنة أبرزها عدم اليقين الاقتصادي، ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة، ارتفاع أسعار الفائدة، التغيرات المناخية وغيرها الكثير. وتفرض هذه التحديات ضرورة اتّخاذ خطوات استراتيجية لتعزيز قدرة القطاع على الصمود والتكيف، وضمان استدامته ونموه على المدى الطويل.

وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن زخم النمو في قطاع النقل والسياحة يتعرض لضغوط بسبب تحديات مثل سوق العمل الضيق وتراجع التصنيفات الائتمانية والقيود المالية المتزايدة، بالاضافة إلى المخاوف بشأن الظروف الصحية والأمنية. كما توفر موارد النقل والسياحة، وخصوصاً الأصول الطبيعية والثقافية، فرصة للاقتصادات النامية لتحقيق التنمية الاقتصادية بقيادة السياحة.

وبالنظر إلى هذه الخلفية الديناميكية، أصبح من الضروري لصنّاع القرار الحكوميين والشركات في قطاع النقل والسياحة وأصحاب المصلحة الآخرين التأكد من أن القطاع يعمل ليس على معالجة القضايا على المدى القريب مثل اختلالات العرض والطلب وحسب، ولكن أيضاً ضمان استعداد القطاع لمواجهة التحديات والفرص الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والجيوسياسية والتكنولوجية المتزايدة في المستقبل. وإذا تم تطوير قطاع النقل والسياحة بطريقة شاملة ومستدامة ومرنة، فيمكن أن يصبح أداة قوية لمواجهة العديد من التحديات العالمية، والمساهمة في الرفاه الجماعي للمجتمع الدولي.

ونظراً الى أن السفر والسياحة يمثلان تاريخياً عُشر الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفرص العمل، على صنّاع القرار في هذا القطاع وخارجه إدراك الحاجة إلى مناهج استراتيجية وشاملة إذا أرادوا التعامل بصورة صحيحة مع الظروف المتزايدة التعقيد وإطلاق العنان للإمكانات الهائلة للسفر والسياحة لتوفير الرخاء للمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال