يعكس صيف لبنان واقعاً متناقضاً يتراوح بين التوترات الأمنية المتصاعدة والتهديدات المحتملة بالحرب، وبين رغبة اللبنانيين في العيش حياة طبيعية وسط الصعوبات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي يواجهونها.
في صيف هذا العام، تتجاوز الحياة اليومية السياحة الداخلية والمهرجانات الغنائية، إذ تعيش البلاد على وقع توترات أمنية متصاعدة ومخاوف من حرب يكثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة مع استمرار الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل في جنوب لبنان. يُضاف إلى المشهد المُتردي عجز مقلق على صعيد الفرص السياسية، ما يفاقم من حدة الأزمات ويعوق أي إمكان للخروج من النفق المظلم، إذ لا يزال لبنان يرزح تحت وطأة شلل سياسي مستمر، وسط فشل القوى السياسية في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة قادرة على صنع القرارات الحاسمة.
ويفاقم العجز السياسي أزمة اقتصادية بدأت منذ انهيار النظام المالي عام 2019، إذ يعاني لبنان من تدهور مالي حاد، مع انهيار العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم، ما أدى إلى انخفاض كبير في مستوى المعيشة وزيادة معدلات الفقر والبطالة. أما في السياق الأمني، فتزداد التوترات مع تصاعد التهديدات الأمنية والمخاوف من اندلاع حرب مع إسرائيل يُخشى من تداعياتها الكارثية على القطاعات كافة، مع الاشارة إلى أن تكلفة الحرب المستمرة في الجنوب خلال الأشهر الثمانية الماضية تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، فضلاً عن تكاليف غير مباشرة بملايين الدولارات. وتحذر التحليلات من آثار أي حرب واسعة النطاق على البنية التحتية الأساسية، خصوصاً بنية الكهرباء ومطار رفيق الحريري الدولي.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يعبّر اللبنانيون عن رغبتهم الجادة في الحفاظ على حياتهم اليومية والاستمتاع بموسم الصيف، حيث تمثل الشواطئ، والمقاهي، والمطاعم، والفعاليات والمهرجانات جزءاً أساسياً من نمط حياتهم. كذلك تعكس الحياة الليلية في بيروت ومدن أخرى هذا التباين، اذ يلتقي التوتر السياسي والأمني برغبة اللبنانيين في الاستمرار بالعيش كما يحلو لهم.
ولا يمكن الحديث عن صيف لبنان من دون التطرق إلى دور المغتربين والسياح والوافدين في هذه الظروف الاستثنائية، إذ من المتوقع أن يشهد مطار رفيق الحريري الدولي ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الركاب والرحلات الجوية، بحيث من المرجح أن تصل نسبة الملاءة إلى 100 في المئة ابتداءً من 4 و5 تموز، وفقاً لرئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر جان عبود. كذلك من المتوقع أن تتجاوز حركة الوافدين الـ 12 إلى 13 ألف راكب يومياً، بينما سيتجاوز عدد الطائرات 80 إلى 85 طائرة يومياً.
ومع هذا الزخم الذي سيشهده لبنان في الأسابيع المقبلة، تتجه الأنظار إلى القطاع السياحي الذي يعتبر شريان الاقتصاد اللبناني في زمن الأزمة، لا سيما وأنه يساعد بصورة كبيرة في تنمية العديد من القطاعات الأخرى، ويشكل مصدراً مهماً للدخل وفرص العمل. كما أنه يعد ثاني أهم مصدر للدخل بعد التحويلات من المغتربين، بحيث يدرّ القطاع على الاقتصاد أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، في حين تتراوح قيمة أموال المغتربين بين 6 و7 مليارات دولار بحسب البنك الدولي.
لبنان، بتاريخه المثقل بالصراعات والحروب، يجد نفسه مجدداً أمام تحديات خطيرة تهدد بالانزلاق نحو حرب شاملة. منذ الحرب الأهلية التي خلفت دماراً هائلاً وتدهوراً اقتصادياً، وحتى الصراعات الاقليمية والحروب مع إسرائيل، عانت البلاد من استقرار سياسي وأمني متقلب. والآن، بينما تواجه تحديات اقتصادية هائلة وأزمات سياسية معقدة، تبقى الشكوك حول احتمالية تكرار سيناريو تموز 2006 في تموز 2024 الأكثر حضوراً، ما دفع لبنان الرسمي إلى حملة ديبلوماسية لمنع سيناريوهات حرب جديدة وتجنب فاتورة اقتصادية واجتماعية لن يتمكن من دفعها.