fbpx

معركة صعبة لليورو… هل ينجو من اختبار القوّة؟

هدى علاء الدين
تابعنا على الواتساب

في خضمّ التطورات الاقتصادية العالمية، يواجه اليورو، العملة الأوروبية الموحدة، ضغوطاً ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، ما أدى إلى انخفاضه بصورة ملحوظة أمام العديد من العملات الرئيسية. وأثار هذا الوضع قلق المستثمرين والمحللين الاقتصاديين، ودفعهم إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراءه وتقييم تداعياته المحتملة على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية.

وعلى الرغم من الارتفاع الطفيف الأخير في قيمة اليورو، إلا أن سعر الصرف بين العملتين، والمشار إليه بـ EUR/USD، لا يزال عند مستويات تاريخية منخفضة، ويحوم حول 1.08 اعتباراً من 14 أيار.

وبسبب تأثر اليورو بحالة عدم اليقين السياسي قبيل الانتخابات العامة في فرنسا، من المتوقع أن ينهي الشهر الجاري بانخفاض يصل إلى 1.25 في المئة، وهو الأكبر منذ كانون الثاني، عندما سجل هبوطاً بنسبة 1.99 في المئة. يُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل رئيسية، من بينها:

  • تباين مسار التضخم في منطقة اليورو: شهدت منطقة اليورو تراجعاً مستمراً في مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي (CPI) خلال العام 2024، بحيث انخفض إلى 2.4 في المئة على أساس سنوي في نيسان، مقارنة بـ 2.9 في المئة في كانون الثاني، وهو أدنى مستوى له منذ تشرين الأول 2023. يُذكر أن التضخم في المنطقة شهد ذروة وصلت إلى 10.6 في المئة في تشرين الأول 2022، ويعزى هذا الارتفاع إلى التصعيد الحاد في أسعار الطاقة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. ويعمل المصرف المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة بصورة كبيرة لمكافحة ارتفاع التضخم منذ العام 2022. وفي اجتماع حزيران الأخير، خفض المركزي سعر الفائدة 25 نقطة أساس إلى 3.75 في المئة بما يتماشى مع التوقعات، وذلك للمرة الأولى منذ 2019.
  • حاجة أوروبا الى دعم لنمو اقتصادها: في الربع الرابع، نما الناتج المحلي الاجمالي (GDP) لمنطقة اليورو بنسبة 0.1 في المئة فقط، وهو ما تجنب بصعوبة ركوداً اقتصادياً. وشهدت الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، فترات طويلة من الانكماش في أنشطتها التصنيعية. وعلى الرغم من وجود مؤشرات على انتعاش، إلا أن القارة الأوروبية تحتاج بشدة إلى سياسة نقدية أكثر تيسيراً لتقديم دعم حيوي لاقتصادها.
  • الاضطرابات الفرنسية: من المرجح أن يواصل اليورو التراجع مقابل العملات الرئيسية الأخرى بسبب عدم اليقين السياسي في منطقة اليورو، خصوصاً الاضطرابات في فرنسا. ويعتقد بعض المحللين أن اليورو قد يصل إلى مستوى التعادل مقابل الدولار. وستجري الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأحد 30 حزيران والجولة الثانية في 7 تموز. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، يتصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان، بنسبة 34.5 في المئة، في حين تحصل الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية على دعم يبلغ 28.5 في المئة، ويتراجع حزب ايمانويل ماكرون المحافظ إلى 21 في المئة. وقد يجلب فوز الفريق اليميني المتطرف عدم اليقين المالي إلى فرنسا، أكثر الدول مديونية في أوروبا. والقلق الأكبر يتعلق بقدرة فرنسا على سداد ديونها الحكومية. ومنذ دعوة ماكرون الى إجراء انتخابات مبكرة في حزيران، ارتفع العائد على السندات الحكومية الفرنسية القياسية لعشر سنوات بمقدار 20 نقطة أساس إلى 3.2 في المة، ما زاد من أعباء السداد السيادية.
  • تقوية الدولار كملاذ آمن: أدت الانتخابات غير المتوقعة في فرنسا إلى تعقيد المشهد بإضافة مخاطر جديدة لمنطقة اليورو والعملة الموحدة. وقد دفعت هذه التطورات السياسية العملات الحساسة للمخاطر إلى أعلى مستوياتها مقابل اليورو هذا العام. علاوة على ذلك، شهد اليورو ضعفاً أمام الدولار بفعل الاضطرابات السياسية، على الرغم من أن ارتفاع أسعار الأسهم والسندات على نطاق واسع زاد من الضغوط الهبوطية على الدولار الذي يعتبر ملاذاً آمناً. ومن المتوقع أن يتعزز الدولار إلى أقوى مستوياته عام 2024 مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ سياسة نقدية متشددة وتوقعات استمرار المركزي الأوروبي في خفض أسعار الفائدة تدريجياً. هذه التوقعات من المرجح أن تفرض ضغوطاً هبوطية على العملات الحساسة للمخاطر التي قد استوعبت الكثير من الأخبار الايجابية وتتداول قرب أعلى مستوياتها هذا العام.

تعرض اليورو خلال تاريخه لفترات من التراجع الحقيقي في قيمته. ففي الفترة بين تشرين الثاني 2009 وتموز 2012، عجلت الأزمة المالية العالمية وتفاقم أزمة الديون في منطقة اليورو من انخفاضه، ما أدى إلى هبوط سعر الصرف الفعلي الحقيقي بنسبة 17 في المئة، من 110 إلى 92.

وبين آذار 2014 ونيسان 2015، حيث أدى برنامج التيسير الكمي واسع النطاق الذي أعلنه المركزي الأوروبي، بينما اتبع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سياسات نقدية أكثر تقييداً، إلى انخفاض آخر في سعر الصرف الحقيقي لليورو بنسبة 14 في المئة.

وفي بداية تموز 2022، انخفض سعر صرف اليورو ليعادل الدولار للمرة الأولى منذ نحو 20 عاماً، وتراجع في 13 تموز متأثراً بالتوقعات القاتمة للاقتصاد الأوروبي وباحتمال قطع إمدادات الغاز الروسي بالكامل، إلى ما دون عتبة الدولار الأميركي.

واليوم، يشهد حزيران 2024 تقلبات حادة في أسواق الصرف الأجنبي، مدفوعة بالديناميكيات الاقتصادية والسياسية العالمية المتوترة. وعلى الرغم من اتجاه المستثمرين نحو الأصول الآمنة، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار الأميركي مقابل جميع عملات مجموعة العشرة الأخرى، إلا أن اليورو يواجه ضغوطاً كبيرة، ليتخلف عن الركب ويصبح أضعف العملات الورقية في المجموعة. ومع ارتفاع العوامل المؤثرة السلبية، يبدو أن مستقبل اليورو يعتمد على القدرة على تجاوز هذه التحديات واستعادة الثقة في الأسواق العالمية.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال