قرارات بعبدا… قلب العهد القوي في حرق الدولارات

المحرر الاقتصادي

هي إبرة مسكّن لأسابيع قليلة تنتهي في نهاية أيلول القرارات التي توصل إليها اجتماع بعبدا يوم السبت لبحث أزمة المحروقات، والذي تلته كلمة وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “صارح” فيها اللبنانيين على ما كان يقدم عليه لحل هذه الأزمة و”العراقيل” التي واجهته، حيث إن مَن “خرّب” الحلول التي كان يقترحها، و”جعل الأزمة تتفاقم هو القرار الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان (رياض سلامه) وقف الدعم من دون العودة إلى الحكومة”.

وكان مصرف لبنان أصدر قراراً عقب اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة عون بالتوقف عن بيع الدولار لتمويل الاعتمادات المتعلقة بشراء المحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي على سعر 3900 ليرة واعتماد سعر منصة “صيرفة”.

ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها عون سلامه ويحاول تحميله تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يمر بها لبنان. وهو مَن طرح التجديد له من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته في الرابع والعشرين من أيار 2017 فصدق اقتراحه في أقل من دقيقتين مقابل تعيينات حصل عليها التيار الوطني الحر.

فالرسالة التي وجهها عون إلى مجلس النواب الأسبوع الماضي نصت على أن سلامه “قرر فجأة التوقف عن دعم أسعار المواد والسلع بالعملات الأجنبية”، علماً أن سياسة الدعم لا يقررها المصرف المركزي بل هي أصلاً من مسؤولية الحكومة التي تنصلت من واجباتها ورمت الكرة في ملعب مصرف لبنان الذي بدأ بدعم المواد الأساسية منذ أيلول من العام 2019 عندما بدأت الأزمة الاقتصادية تشتد. أضف إلى ذلك، فإن قرار مصرف لبنان كان متوقعاً ولم يأتِ فجائياً أو مباغتاً، كما حاول الرئيس تصويره في رسالته. فحاكم المصرف المركزي رياض سلامه، وقبل إعلان قراره، كان أبلغ المجلس الأعلى للدفاع قرار المجلس المركزي الذي اتخذ بالإجماع، وشرح له أن المصرف المركزي وصل إلى حافة التوظيفات الإلزامية، وأنه يحتاج بالتالي إلى قانون مشرّع من مجلس النواب لاستعمال هذه التوظفيات من أجل الاستمرار بالدعم الذي كبّده حوالي ستة مليارات دولار العام الماضي.

لقد بلغت الموجودات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان في منتصف آب الحالي، ما قيمته 19 ملياراً و790 مليون دولار متضمنة محفظته من سندات اليوروبوندز التي يقيّمها المصرف المركزي بـ5.03 مليارات دولار. أي أن ما تبقى لديه هو في حدود الـ14 ملياراً و787 مليون دولار أميركي منها التوظيفات الإلزامية التي تعود للمودعين. وقد انخفضت هذه الموجودات بقيمة حوالي 240 مليون دولار في 15 يوماً عما كانت عليه في بداية آب مع استمرار النزيف على دعم غير مجدٍ.

صحيح أنه كان تم منح مصرف لبنان موافقة استثنائية لفتح اعتمادات لشراء المحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي لثلاثة أشهر على أن تسدد قيمة هذه الاعتمادات على أساس سعر صرف 3900 ليرة بدلاً من 1500 ليرة للدولار، لكن مصرف لبنان دعم الأدوية والمحروقات في شهر واحد ما كان يمكن أن يكفي لثلاثة أشهر وذلك بسب استمرار عمليات التهريب واحتكار التجار.

في اجتماع بعبدا، تقررت الموافقة على اقتراح وزارة المالية في الحكومة المستقيلة غازي وزني الطلب إلى مصرف لبنان فتح حساب مؤقت لتغطية دعم عاجل واستثنائي للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، وذلك بما يمثل قيمة الفرق بين سعر صرف الدولار الأميركي بحسب منصة “صيرفة” والسعر المعتمد في جدول تركيب الأسعار والمحدد بـ8 آلاف (بدعم حدّه الأقصى 225 مليون دولار أميركي لغاية نهاية شهر أيلول)، وعلى أن يتم سداد هذه الفروقات بموجب اعتماد في موازنة العام 2022.

تشير مصادر مصرف لبنان في هذا الإطار إلى أن الحساب المؤقت سيصار إلى تغذيته من خلال الدولارات التي يبيعها “المركزي” عبر “صيرفة”. فيما تتساءل مصادر مالية عن المدة التي سيستغرقها حصول مصرف لبنان على المبلغ الذي سيوفره نتيجة الفرق بين سعر المنصة وسعر السوق والتي سيفتح له اعتماد في موازنة العام 2022 فيما موازنة العام 2021 لم يصر إلى اقرار أرقامها.

واستتباعاً لهذا القرار، أصدرت المديرية العامة للنفط بياناً أعلنت فيه أن سعر صفيحة المحروقات يصبح ابتداء من صباح الأحد كالتالي: بنزين 98 أوكتان 133 ألفاً و22 ليرة، بنزين 95 أوكتان 129 ألف ليرة، ديزل أويل 101 ألفاً و500 ليرة، وقارورة الغاز المنزلي 90 ألفاً و400 ليرة.

الصيغة التي تم التوصل إليها في بعبدا، من ضمن قرارات أخرى، هي عبارة عن “تسوية مؤقتة” أراد رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب أيضاً أن يحمل التوصل إليها قرار مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات “والذي ستكون له تأثيرات كبيرة جداً على حياة الناس وتضيف أعباء لا يستطيع اللبنانيون تحملها، لجأنا اليوم إلى تسوية تخفف نسبياً هذه الأعباء”.

“حل” بعبدا الذي تم التوصل إليه من ضمن اقتراحات أخرى جرى إقرارها، والذي وصفه رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب بـ”التسوية المؤقتة” محمّلاً هو الآخر سلامه المسؤولية، يضيف سعراً جديداً إلى أسعار الصرف التي تعدى عددها أصابع اليد الواحدة، ومن شأنه أن يفاقم الحل المرتجى باتجاه توحيد سعر الصرف على طريق إعادة الاستنهاض بالاقتصاد. فبدلاً من أن يصار إلى اعتماد الحل المعروف برفع الدعم عن المحروقات الذي يستنزف ما تبقى من عملات، والذي سيتم اتخاذه من دون أدنى شك في نهاية أيلول، ها هو العهد يجتزئ الحلول ويحرق بقلب قوي الملايين من جديد. ولا من يعلم ما إذا كان اعتماد سعر الـ8 آلاف ليرة سيلغي مشهد الطوابير ويوقف المحتكرين عن تخزين هذه المادة للإفادة من سعرها الذي سيرتفع أكثر في المرحلة الراهنة أو تهريبها إلى سوريا. فالفارق لا يزال كبيراً بين السعر المعتمد في لبنان وبين السعر في سوريا التي تصل صفيحة البنزين فيها مقومة بالليرة اللبنانية إلى حوالي 225 ألفاً.

إلى ذلك، اتخذ اجتماع بعبدا قراراً بزيادة بدل النقل لموظفي القطاع العام ليصبح 24 ألفاً عن كل يوم حضور فعلي، وإعطاء مساعدة اجتماعية طارئة بما يساوي أساس الراتب الشهري أو المعاش التقاعدي من دون أي زيادات مهما كانت نوعها أو تسميتها تسدد على دفعتين متساويتين، وتشمل جميع موظفي الإدارة العامة مهما كانت مسمياتهم الوظيفية.

فهل هذا يعني مزيداً من طبع العملة لتغطية هذا الإنفاق الإضافي سيما وأن تكلفة المساعدة الاجتماعية الطارئة مثلاً هي في حدود حوالى ٦٠٠ مليار ليرة؟ فطباعة العملة فاقم أرقام الكتلة النقدية في التداول ليبلغ حجمها إلى 51 ألفاً و617 مليار ليرة وفق أرقام تموز، بارتفاع نسبته 88.16 في المئة عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. وهو ما كان سبباً إضافياً في رفع معدلات التضخم لتصل إلى 131.92 في المئة في حزيران.

كل ما تقدم، ليس حلاً. فالحل يبدأ بتسهيل تشكيل حكومة تقر خطة إنقاذ مالي تبدأ على أساسها بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي للتوصل إلى برنامج تمويلي يبدأ بوضع اقتصاد لبنان على مسار النهوض مجدداً.

شارك المقال