محروقات الـ 8000… استيراد غير حرّ وضغوط تضخمية

هدى علاء الدين

يتحكم السوق السوداء بأزمة المحروقات التي ارتفعت أسعارها حوالي 66 في المئة على خلفية قرار اجتماع بعبدا الأخير الذي قضى بتخفيض دعم استيراد المحروقات إلى سعر صرف 8 آلاف ليرة للدولار بدلاً من 3900 ليرة، لتدخل أزمة المحروقات مرحلة جديدة من اللامسؤولية في معالجتها. فأنصاف الحلول لم تعد تجدي نفعاً بل على العكس من ذلك، ستعمّق الأزمة وستكرّس أنواع الاحتكار والتهريب.

وفي حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، اعتبر خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي أن استيراد المحروقات على سعر صرف الـ8000 ليرة لبنانية هو استيراد غير حرّ، فالكمية التي سيتم استيرادها خاضعة لظروف لا تتسم بحرية التداول لأن سعر الصرف ليس حراً، فالمستوردون كانوا في البدء يعتمدون على سعر صرف 1500، بعدها 3900، واليوم 8000 ليرة لبنانية. وأشار فحيلي إلى أنه وبغض النظر عما هو السعر الذي يتم الاتفاق عليه من قبل السلطة السياسية، وهنا يتحفظ على كلمة السلطة السياسة لأن المجلس الأعلى للدفاع هو الذي يفرض آلية معينة لتحديد سعر استيراد المحروقات وهي ليست آلية علمية، فهو ليس “سعر حلول” ما دام تحديد سعر الدولار الذي سيستعمل لدفع فاتورة الاستيراد دون السعر الحقيقي لليرة اللبنانية في السوق الموازي.

وحسب فحيلي، فإن مصرف لبنان يستخدم الدولار المتوفر لديه والمتمثل في التوظيفات الإلزامية للمصارف مقابل ودائعها بالعملة الأجنبية وهي إحدى الطرق المتوافرة لديه. أما الدولار الذي يدخل إلى لبنان، فلديه خصوصيته ولا يستطيع المركزي التصرف به كيفما يشاء وينقسم إلى نوعين هما:

– الفريش دولار: وهو غير متوافر في المصرف المركزي الذي أكد في العديد من التعاميم الصادرة عنه وجوب تأمينه لأصحابه مع حقهم في حرية التصرف به، في مقدمها التعميم الأساسي رقم 150 الذي نصّ بوضوح على ضرورة توفير مؤونة 100 في المئة لدى المصارف المراسلة مقابل كل حساباتها بالدولار الفريش، على أن تكون هذه الحسابات معفاة من أي التزامات أو توظيفات إلزامية لدى مصرف لبنان، ومؤخراً أصدر المصرف التعميم رقم 159 كتذكير بضرورة الامتثال لمضمون التعميم الأساسي. وبالتالي فإن هذا المصدر لن يكون متاحاً للمركزي.

– التحويلات من الخارج: وهنا يُذكّر فحيلي في الفترة التي فرض فيها مصرف لبنان على الـ OMTدفع التحويلات بالليرة اللبنانية، كي يحتفظ بمخزون العملة الأجنبية. وفي حال أراد إعادة العمل بهذا القرار، فستكون هذه الخطوة بمثابة الطريقة الثانية الوحيدة للحصول على الدولار لدفع فاتورة الاستيراد، علماً أن لبنان يستقبل ما يوازي 5 إلى 6 مليارات دولار سنوياً كتحويلات من اللبنانيين في الخارج.

أما عن الخوف من رفع الدعم نهائياً ورسمياً، فإن ذلك يكمن في أن السلطة السياسية تحاول قدر المستطاع أن تحافظ على ما تبقى من صورتها وتلميعها أمام الرأي العام اللبناني. فالاتفاق الذي نصّ على سعر 8000 ليرة لبنانية هو ضمنياً نوع من تحرير الدعم بشكل غير رسمي، ولا سيما أن الدولار اليوم هو 16000 ليرة على منصة صيرفة، سيأخذ المصرف المركزي من المستورد 8000 آلاف ليرة ومن الحكومة الـ 8000 آلاف المتبقية. وعما إذا كانت ستستطيع الحكومة تحمل الفارق بين سعر المنصة وسعر الدعم 8000 ليرة، يقول فحيلي: بالطبع لا، فالحكومة غير قادرة على دفع ما يتوجب عليها، في ظل هبوط حاد في إيرادات الدولة بسبب إقفال العديد من المؤسسات وتواجد عدد كبير من الموظفين خارج الخدمة، وبالتالي خسارة لبنان للكثير من المصادر الضريبية. هذا فضلاً عن قانون تجميد المهل الذي أثّر بشكل مباشر في قدرة لبنان على جباية إيراداته من ضرائب وغير ذلك. ولهذا السبب، قرر مصرف لبنان احتساب الفارق كدين على الحكومة (تسدده من موازنة العام 2022) التي قد تلجأ إلى الطلب منه طباعة المزيد من الـBank Notes، الأمر الذي سيعرضها لضغوط تضخمية عاجلاً أم آجلاً. ففي الواقع، يصعب جداً التوقع كيف ستعالج الدولة اللبنانية هذه الأمور.

وهل تأخر قرار نقل ملف الدعم من مصرف لبنان إلى وزارة المالية؟ وماذا كان وفّر لبنان لو تمّ اتخاذه منذ بداية الأزمة؟ أوضح فحيلي: ملف الدعم ليس قرار السلطة النقدية، إنما قرار السلطة السياسية وتحديداً قرار وزارة الاقتصاد، الذي يحظى لاحقاً بموافقة مجلس الوزراء مجتمعاً، على أن تُحدد وزارة المالية كيفية تمويله. فمهمة مصرف لبنان هي تأمين العملة الأجنبية لدفع فاتورة الاستيراد (أدوية، طحين، محروقات…) ودور السلطة السياسية هو تأمين ما يوازي من هذه العملة الأجنبية والعملة الوطنية وإيداعها لدى مصرف لبنان لدفع فاتورة الاستيراد أو حصتها من الدعم، على أن يدفع القطاع الخاص أو المستورد ما يتوجب عليه. أما اليوم، فكلما تم الحديث عن الدعم تتجه الأنظار إلى مصرف لبنان وكأنه هو صاحب القرار، إلا أنه ليس كذلك ولم يكن يوماً صاحب هذا القرار، بل كان للسلطة السياسية رفاهية توجيه الأنظار إليه لاعتمادها عليه. ولسوء الحظ انتقل المصرف من تمويل فساد السلطة السياسية إلى حماية فشلها في اتخاذ القرارات اللازمة، فوجود حاكم مصرف لبنان في اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع هو خير دليل على فشل السلطة السياسة بإدارة ملف الدعم.

وحسب فحيلي، لو كان هناك سلطة سياسية قادرة على اتخاذ قرارات جريئة، لوفرت الكثير على لبنان ولا سيما أن فاتورة الدعم كلفت الكثير من المليارات، وفي هذا الإطار أن استحقاقات اليوروبوندز للعامين 2020 و2021 التي تخلّفت الحكومة عن سدادها لا تبلغ سوى ربع قيمة الأموال التي تم دفعها بطريقة عشوائية على سياسة الدعم. فمنذ العام 2020 ولغاية اليوم، لم يُتخذ أي قرار صحيح سواء من السلطة السياسة أو السلطة النقدية.

وختم فحيلي: “لا يغير مجرى الأمور سوى تشكيل حكومة لأنها تفتح المجال أمام الجهات الدولية لتقديم المساعدات المالية اللازمة والباب أمام التفاوض مع صندوق النقد الدولي ووضع لبنان على السكة الصحيحة للإنقاذ والتعافي. فاليوم، لدى لبنان قرض البنك الدولي بقيمة 256 مليون دولار لمساعدات العائلات الأكثر فقراً، وما يفوق الـ 800 مليون دولار من صندوق النقد الدولي وهي حصة لبنان من حق السحوبات الخاصة. هذا فضلاً عن حوالي 900 مليون دولار كان سبق ووافق عليها البنك الدولي، وطلبت الحكومة اللبنانبة منه تجميعها وحصرها في قرض واحد والسماح لها باستخدامها لانقاذ الاقتصاد اللبناني، لكن موافقته على ذلك مشروطة بوجود سلطة تنفيذية قادرة على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات وليس بوجود حكومة تصريف أعمال… فلو سهّلت السلطة السياسية تشكيل الحكومة منذ أشهر لكانت وفّرت على المواطن الكثير من الآلام والأوجاع والمعاناة اليومية”.

شارك المقال