الدولار النفطي “بانادول” لمعالجة “سرطان” المحروقات!

فدى مكداشي
فدى مكداشي

على الرغم من الاجتماع الاستثنائي الذي عُقد في قصر بعبدا بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون والذي أخذ على عاتقه إيجاد حل لمشكلة المحروقات وعدم توفر أموال للدعم، بقيت المحروقات غائبة عن السوق وقضيتها ضائعة بين وزارة الطاقة والشركات المستوردة والمصرف المركزي الذي أعلن حاكمه أنه جاهز لفتح الاعتمادات فور حصول الشركات المستوردة على موافقة وزارة الطاقة قبل أن يعمد إلى إعطاء موافقة استثنائية لإدخال ثلاث بواخر حتى قبل حصولها على الموافقة لفتح الاعتمادات بسعر ٨٠٠٠ ليرة للدولار الأميركي.

اليوم وبعد أن تفرغ البواخر حمولتها من النفط، هل نشهد الأربعاء بوادر حلحلة وتختفي طوابير الذل التي تمتد مئات الأمتار من منطقة إلى أخرى أم كلّها إجراءات آنية لشراء الوقت ومنع الانفجار الاجتماعي؟ وكيف ستتم عملية التوزيع بطريقة عادلة وفعّالة لمكافحة الاحتكار خصوصاً بعد الفضائح التي ظهرت خلال المداهمات الأخيرة للجيش والقوى الأمنية؟

بداية، يعتبر الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن “هذا الحل آني وأنه كلما استمر الدعم، كلما بقي التهريب ناشطاً لأن الأسعار لا تزال منخفضة مقارنة ببلدان الجوار. وفي هذه الحالة تزداد نسبياً الأعباء على الدولة لأن الأخيرة تسجل ديوناً إضافية عليها ويستنزف المصرف المركزي ما تبقى من أموال المودعين بنسبة ٢٢٥ مليون دولار. أما المواطن فهو الخاسر الأكبر. وبالتالي ستتفاقم المشكلة بعد شهر”. ويرى أنه “بدلاً من هدر ٢٢٥ مليون دولار أميركي ك أن من الأجدى الاستثمار بوضع خطة للنقل المشترك أو تجميعها لبناء معامل للكهرباء. ولكن على الرغم من كل المناشدات، الدولة غائبة”.

أما بالنسبة لآلية شراء المحروقات، فيؤكد رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان جورج فياض أن “الآلية مع المركزي لم تتغيّر ولا الإجراءات في تقديم الطلب لأخذ موافقة مسبقة باستيراد المواد. الذي تغيّر فقط هو سعر صرف الدولار من ٣٩٠٠ إلى ٨٠٠٠”. وعما إذا كانت الآلية الجديدة للتسعير ستحل أزمة المحروقات، يرى أنها “لن تُحل بشكل كامل خصوصاً أن الدعم سيستمر فقط حتى أواخر أيلول، وستبقى المشكلة من ناحية تأمين الدولارات مع مصرف لبنان”، معتبراً أنه “من المفروض أن يتوقف دعم السلع من أجل التخفيف من التهريب والحد من الاستعمال الخاطئ للمادة، لكن في الوقت عينه هذا سيرفع الأسعار كثيراً في لبنان بالنسبة للدولار، أي يجب إيجاد حلول جذرية للناس من خلال اعتماد خطة للنقل العام والمشترك”.

الآلية المعتمدة

وعن آلية توزيع المحروقات للمحطات، يوضح أمين سر نقابة أصحاب المحطات حسن جعفر أنه “علينا أولاً أن نفرغ السوق بالكامل لتسليم المواد بناء على الأسعار الجديدة. وقد اتخذت كل من الرئاستين بالاتفاق مع الشركات، قراراً بأن يستخدموا ٢٢٥ مليون دولار من ميزانية عام ٢٠٢٢ حتى أواخر أيلول”، معتبراً أن “هذا لا يكفي لأنه عندما أقر المصرف المركزي دعم المحروقات بـ ٨٥٠ مليون دولار بقيت الأزمة على حالها ومشاهد الطوابير ازدادت”، متسائلاً “كيف سيعوّض هذا المبلغ حاجة السوق وقد تم دعم الغاز أيضاً مع النفط”، معتبراً أن “هذا الواقع هو تمهيد لرفع الدعم”.

هشاشة النظام الرٌقابي

وكانت وزارة الاقتصاد والهيئات الأمنية بشكل عام، وعدت بمتابعة هذا الأمر لضمان أن هذه المواد ستذهب مباشرة إلى المواطن لوقف التخزين والتهريب. وعن خطّة وزارة الاقتصاد، يوضح مدير حماية المستهلك المهندس طارق يونس، أنه “بدءاً من الثلاثاء، سيتم الكشف على كل المحطات التي تعتمد التسعيرة الجديدة وفي حال تبيّن من خلال فواتيرها أنها استلمت المواد قديماً وتبيعها بالسعر الجديد، سيتم بشكل فوري تنظيم محاضر ضبط بحقها ومصادرة البضاعة”، لافتاً في الوقت عينه إلى أن “المديرية العامة للنفط كانت قد اتخذت قراراً بالطلب من الشركات النفطية عدم تزويد هذه المحطة لمدة شهر بالمحروقات في حال تبين أنها تبيع بسعر أغلى من السعر الرسمي وبالتالي المراقبة إذا كانت ستستمر بالبيع للتأكد من أن كل محطة ملتزمة بالإجراءات القانونية”.

ويؤكد يونس أن “الوزارة بحاجة لمؤازرة من الجيش والقوى الأمنية والأجهزة الرقابية للقيام بدورها بطريقة فعالة، خصوصاً أنها تفتقر للعناصر البشرية إذ يوجد فقط ٤٠ مراقباً موزّعين على كافة الأراضي اللبنانية ولا يستطيعون أن يغطوا ٥٠ أو ١٠٠ محطة خلال نهار واحد، بينما يوجد لدينا أكثر من ٤٠٠٠ محطّة للوقود”، لافتاً في الوقت عينه إلى أن “هؤلاء المراقبين لا يستطيع معظمهم التنقل جراء أزمة البنزين”.

وعود البطاقة التمويلية

في ظل سياسة الدعم العشوائي والوضع الاقتصادي والمالي المتدهور، بالكاد يستطيع المواطن اللبناني اليوم أن يتنفّس. وكل هذه المصاريف المسؤول عنها، ستحوّل وضعه المعيشي إلى وضع كارثي في حال رُفع الدعم عن الوقود، إذ أنه من المرجح أن يصل سعر تنكة البنزين الواحدة إلى ٣٥٠ ألف ليرة. من جهة أخرى، كل الآمال المعلّقة على البطاقة التمويلية التي من شأنها أن تعوّض جزءاً من هذا النقص لا تزال حبراً على ورق وفي إطار الشعارات الواهية.

إقرأ أيضاً: في بنزين.. لكن الحكاية بلا بنزين!

في هذا السياق، يشرح عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله أن “هذه البطاقة تحتاج إلى تأمين التمويل اللازم أي كحد أدنى مليار دولار أميركي”، معتبراً أنه من “الخطأ اليوم انتظار البطاقة التمويلية لرفع الدعم لأن الأزمة مستمرة والتهريب يجري على قدم وساق. وهذا الخطأ الكبير استنزف من خزينة الدولة مليارات الدولارات”، مشيراً إلى أنه “بدلاً من أن يأتي مشروع من الحكومة شامل ومتكامل اضطررنا كمجلس نيابي أن نقوم بالعمل المطلوب للبدء بتنفيذ البطاقة”.

ولكي لا تتحول البطاقة التمويلية إلى بطاقة انتخابية، يؤكد عبد الله أنه “من الضروري أن تكون المعلومات حول المستحقين صحيحة وموضوعية لكي لا تستخدم لأغراض زبائنية وسياسية. وأن يتم تأمين التمويل من خلال الاستفادة من القروض الموجودة في الدولة اللبنانية من البنك الدولي وغيرها. ولكن ليتحقق كل هذا، يبقى الموضوع رهينة تشكيل حكومة إنقاذية اليوم قبل الغد”.

كلمات البحث
شارك المقال