يشهد لبنان تفاقماً في حدة الصراع الدائر في الجنوب معمقاً من المعاناة الانسانية، بحيث رسم تقرير شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) لوحة قاتمة عن الوضع الإنساني في البلاد، مع تآكل سبل العيش وتسارع معاناة السكان جراء الأزمة الاقتصادية والصراعات المستمرة، لا سيما على الأمن الغذائي.
التقرير الذي صدر حديثاً، دق ناقوس الخطر، محذراً من تدهور الوضع الإنساني في لبنان، لا سيما وأن الأزمة الاقتصادية المستمرة والاشتباكات عبر الحدود في الجنوب تساهم في تفشي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد “الضغط” (المرحلة الثانية من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) على نطاق واسع في أنحاء البلاد كافة، مع احتمال دخول المحافظات الأكثر تضرراً في مرحلة الأزمة (المستوى الثالث من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي).
وفي الشمال والشمال الشرقي، حيث تتكدس أعداد هائلة من اللاجئين، تشهد المجتمعات المستضيفة واللاجئة صراعاً مريراً على الموارد الشحيحة. ففي ظل تقلص المساعدات الغذائية الإنسانية، تتنافس الفئات السكانية المختلفة بصورة متزايدة على الفرص المتناقصة لكسب العيش، ما يؤجج التوترات الاجتماعية ويعمّق معاناة الجميع.
وفي جنوب لبنان، يؤدي الصراع إلى نزوح السكان لفترات طويلة وتعطيل سبل العيش، بما في ذلك إنتاج المحاصيل. وفي جميع أنحاء البلاد، أُجبر العديد من الأسر على خفض النفقات الأساسية غير الغذائية، مثل الرعاية الصحية، لتلبية الاحتياجات الغذائية؛ في حين تلجأ الأسر الأشد فقراً إلى استراتيجيات تكيف صارمة مثل إرسال الأطفال الى العمل أو تقليل استهلاك الطعام بين البالغين.
ومن بين اللبنانيين الفقراء واللاجئين، يعتمد بعض الأسر بصورة كبيرة على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاته الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمأوى. وقد استهدف برنامج المساعدات النقدية لبرنامج الأغذية العالمي 626,500 مستفيد فقط في أيار، وهو عدد أقل بكثير مقارنة بشهر تشرين الثاني 2023. ووفقاً للتقرير، تؤثر التخفيضات في مساعدات الغذاء الصحي والتغطية المحدودة للحماية الاجتماعية على السكان المضيفين في شمال لبنان.
ووفقاً لتقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP)، يقدم برنامج الدعم الوطني للفقراء (NPTP) الى الأسر اللبنانية المستفيدة 20 دولاراً فقط كل شهرين، بدلاً من تقديمه شهرياً كما كان في السابق.
وعلى الرغم من جهود برنامج الأغذية العالمي والحكومة لاستهداف الأكثر ضعفاً، لا يزال عدد اللبنانيين الفقراء مرتفعاً. ومع التوسع السريع في الاقتصاد المعتمد على الدولار، الذي أدى إلى زيادة عدد اللبنانيين الذين يتقاضون أجوراً بالدولار، فإن أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى الدولار (بما في ذلك النازحون داخلياً والأسر الفقيرة التي تعمل في أعمال غير ثابتة) معرضون لتضخم متزايد.
وأشار التقرير إلى أن أولئك الذين يتقاضون أجوراً بالدولار هم أيضاً يتأثرون بارتفاع أسعار التجزئة للمواد الغذائية والسلع غير الغذائية التي تسعر بالدولار، وإن كان بدرجة أقل.
وفي السياق ذاته، كان للصراع الدائر في الجنوب، مع تداعياته على الأراضي الصالحة للزراعة والنزوح القسري لنحو 100 ألف فرد، تأثير شديد على إعداد الأطعمة محلية الصنع للبيع بسبب نقص الأراضي الزراعية للاستخدام.
وتعتمد مبيعات الأغذية المصنعة محلياً إلى حد كبير على المحاصيل المحلية، إلا أن الغارات الجوية على الجنوب والقصف المدفعي، وخصوصاً باستخدام الفوسفور الأبيض، أديا إلى تدهور الأراضي الزراعية في المنطقة وتدمير جزء كبير من أشجار الزيتون والفواكه وكذلك مزارع الكروم والدواجن والماشية.
كما أدى هذا الاضطراب إلى انخفاض كبير في إمدادات الأغذية المصنعة محلياً في السوق، ما أسفر عن ارتفاع أسعارها بنسبة 30 في المئة.
وبالتوازي مع ذلك، أثر الوضع أيضاً على أصحاب المحال التجارية في الجنوب، حيث انخفضت مبيعاتهم بنسبة 70 في المئة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي المصاحب للحرب. وأدت هذه الظروف إلى توجه اتجاهات الإنفاق نحو المواد الغذائية الأساسية والابتعاد عن جميع أنواع السلع غير الأساسية.