شهد النصف الأول من العام 2024 تحولات ملحوظة في المشهد المالي والاقتصادي في لبنان، حيث تكشف البيانات الأخيرة عن تغيرات بارزة في السيولة الأجنبية، ميزان المدفوعات، وأسواق الودائع والقروض. فقد سجل مصرف لبنان زيادة ملحوظة في أصوله بالعملات الأجنبية، والتي ارتفعت بمقدار 592 مليون دولار، في حين تراجعت السيولة الأجنبية لدى المصارف بصورة طفيفة.
السيولة الأجنبية:
إذاً، فقد زادت السيولة الأجنبية لدى مصرف لبنان بحوالي 592 مليون دولار خلال النصف الأول من العام، بحيث ارتفعت أصول المركزي بالعملة الأجنبية من 9,642 مليون دولار في نهاية كانون الأول 2023 إلى 10,234 ملايين دولار في نهاية حزيران 2024. ويعزى هذا الارتفاع إلى مشتريات المصرف من الدولار في سوق الصرف الأجنبي.
في المقابل، تراجعت السيولة الأجنبية لدى المصارف بصورة طفيفة، بحيث انخفضت من 4,460 ملايين دولار في نهاية كانون الأول 2023 إلى 4,407 ملايين دولار في نهاية حزيران 2024. ويعزى هذا الانخفاض إلى سداد المصارف لمدفوعات جديدة وفقاً لتعميمي مصرف لبنان 158 و166.
ميزان المدفوعات:
سجل ميزان المدفوعات فائضاً بقيمة 363 مليون دولار خلال النصف الأول من العام، نتيجة زيادة الأصول الأجنبية الصافية لدى مصرف لبنان بمقدار 605 ملايين دولار، في حين انخفضت الأصول الأجنبية الصافية لدى المصارف بمقدار 242 مليون دولار أميركي.
الودائع بالدولار والليرة اللبنانية:
سجل النصف الأول من العام انخفاضاً في الودائع بالدولار بواقع 1,189 مليون دولار، بحيث تراجعت من 91,280 مليون دولار في كانون الأول 2023 إلى 90,092 مليون دولار في حزيران 2024. في المقابل، ارتفعت الودائع بالليرة اللبنانية بمقدار 10,664 مليارات ليرة، بحيث انتقلت من 52,050 مليار ليرة في كانون الأول 2023 إلى 62,740 مليار ليرة في حزيران 2024. وفي تشرين الأول 2019، كانت الودائع بالدولار قد بلغت 123,637 مليون دولار أميركي بينما بلغت الودائع بالليرة اللبنانية 67,426 مليار ليرة.
أسعار الفائدة:
شهدت أسعار الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية ارتفاعاً كبيراً، بحيث ارتفع متوسط سعر الفائدة من 0.55 في المئة في كانون الأول 2023 إلى 1.46 في المئة في حزيران 2024، بينما سجلت أعلى مستوى لها عند 9.03 في المئة في تشرين الأول 2019. وفي المقابل، بقيت أسعار الفائدة على الودائع بالدولار الأميركي قريبة من الصفر، بحيث ارتفع متوسط سعر الفائدة من 0.03 في المئة إلى 0.05 في المئة خلال الفترة نفسها، بعد أن بلغت 6.61 في المئة في تشرين الأول 2019.
القروض:
سجل النصف الأول من العام 2024 انخفاضاً في القروض بالدولار الأميركي بقيمة 869 مليون دولار، بحيث تراجعت من 7,562 ملايين دولار في كانون الأول 2023 إلى 6,693 ملايين دولار أميركي في حزيران 2024. كما شهدت الفترة انخفاضاً في القروض بالليرة اللبنانية بمقدار 197 مليار ليرة، بحيث تراجعت من 11,385 مليار ليرة إلى 11,188 مليار ليرة. وفي تشرين الأول 2019، بلغت القروض بالدولار الأميركي 31,186 مليون دولار، بينما بلغت القروض بالليرة اللبنانية 24,164 مليار ليرة.
سندات اليوروبوند:
شهدت محفظة سندات اليوروبوند زيادة طفيفة خلال النصف الأول من العام 2024، بحيث نمت من 2,191 مليون دولار في كانون الأول 2023 إلى 2,258 مليون دولار في حزيران 2024، بزيادة قدرها 67 مليون دولار. ولكن، تظل المحفظة أقل بكثير من مستواها في تشرين الأول 2019، عندما كانت 14,764 مليون دولار. ويعود الانخفاض الحاد في محفظة سندات اليورو التي تمتلكها المصارف على مدار السنوات القليلة الماضية إلى متطلبات مخصصات كبيرة، بالاضافة إلى بيع السندات في بداية الأزمة.
وتكشف الأرقام عن تحسن نسبي في وضع السيولة الخارجية لمصرف لبنان، إلا أن هذا التحسن يبقى محدوداً في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة. وتشير البيانات إلى تراجع في السيولة لدى المصارف التجارية، وانخفاض في حجم القروض، ما يعكس حالة من الركود الاقتصادي. علاوة على ذلك، تشير الأرقام إلى استمرار الضغوط على محفظة سندات اليوروبوند، الأمر الذي يزيد من المخاطر التي تهدد استقرار النظام المصرفي. وعموماً، تعكس هذه الأرقام هشاشة الوضع المالي في لبنان، وتؤكد الحاجة إلى اتخاذ إجراءات هيكلية طال انتظار تطبيقها لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة.
على صعيد آخر، وعلى الرغم من المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية المحدقة بلبنان، حافظت الليرة على استقرارها في السوق الموازية خلال الأشهر الأخيرة. ويأتي هذا الاستقرار نتيجة لسياسة نقدية حذرة اتبعها مصرف لبنان، بحيث تمكن من زيادة الاحتياطي بصورة ملحوظة. هذه السياسة، التي تركز على الامتناع عن تمويل الحكومة بالعملات الأجنبية والتدخل في السوق الموازية، ساهمت في تخفيف الضغوط على الليرة، بحيث شهدت استقراراً نسبياً في السوق الموازية خلال الأشهر الـ 15 الماضية حول 89500 ليرة للدولار الأميركي.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى استدامة هذا الاستقرار في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية الكبيرة التي تواجه لبنان.