الخلاف بين الاقتصاد والأفران يهّدد لقمة المواطن

فدى مكداشي
فدى مكداشي

من بين الأزمات المتوالية التي تصيب قطاعات الإنتاج في لبنان ربما تكون أزمة الرّغيف هي الأصعب والأشد وطأة على المواطن اللبناني، فالمعروف أن الرّغيف يعتبر الغذاء الأساسي للبنانيين والأزمة التي تصيبه قد تعرّض الأمن الغذائي للمجتمع اللبناني لاهتزاز لا تحمد عقباه.

جرياً على العادة، ونتيجة لشدّ الحبال المستمر بين وزارة الاقتصاد من جهة ونقابة أصحاب الأفران والمخابز من جهة أخرى، ضاع الرّغيف وأصبح المواطن اللبناني مهدداً بقوته الأساسي. إنّ كميّات الطّحين الأبيض المخصصة لصناعة الرّغيف تكفي الاستهلاك المحلي وتزيد ولكنّ حقيقة السّوق أنها تعاني شحّاً في إنتاج الرّغيف ليبقى السؤال الأساس: إلى أين تتسرّب كميّات الطحين الأبيض؟ وكيف تُستعمل ولماذا؟

وفي هذا السّياق، تضع وزارة الاقتصاد اللوم على أصحاب الأفران والمخابز بحجّة أن كميات الطحين لا توازي كمية إنتاج الخبز باعتبار أن هناك نوعاً من تهريب أو استخدام لأغراض أخرى وكأنّ الأفران تحتال على وزارة الاقتصاد. وعلى مدى يومين متواليين، صدر قراران عن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة، أوّلهما يرفع بموجبه ربطة الخبز العربي إلى ٩٥٠ غراماً بدلاً من ٨٤٠ غراماً، والقرار الثاني يتعلّق بكيفية ضبط كميات الطحين الأبيض الموزّعة بهدف إنتاج الخبز العربي.

في المقابل، ردّت نقابة أصحاب الأفران والمخابز بشكل عنيف على وزارة الاقتصاد محمّلة إياها كامل المسؤولية بسبب سياسات الدعم الخاطئة التي اتبعتها على مدى سنة ونصف السنة والتي أدّت إلى تفاقم المشكلة وتجاهل الوزارة المعنية قضية الشحّ في مادة المازوت التي أثّرت في كل القطاعات. وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات ويبقى المواطن اللبناني مهدّدا بلقمة عيشه.

أسباب ارتفاع سعر ربطة الخبز

بعدما تهرّب جميع المسؤولين في وزارة الاقتصاد ومن بينهم المعني الأوّل في الأزمة المدير العام للحبوب والشمندر السكري في الوزارة جريس برباري من الرد، أوضح أمين سر نقابة المخابز والأفران في بيروت وجبل لبنان ناصر سرور لموقع “لبنان الكبير”، أن السبب الرئيسي للأزمة هو “الشح في مادة المازوت التي أثرت في جميع الأفران والمخابز إذ أغلقت معظمها أبوابها مما أدى إلى ظهور سوقين، سوق رسمية وسوق موازية”، معتبراً أن “قرار مجلس الدفاع الأعلى بشأن رفع سعر المازوت إلى 8000 ليرة بدلا من 3900 ليرة كان بمثابة مخرج للحل. إلا أن وزير الاقتصاد بدلا من أن يقر التسعيرة على 8000 ليرة من ناحية الوزن والسعر بحسب المنصة الإلكترونية والتي كانت بالاتفاق مع النقابة، أصدر قرارا برفع وزن ربطة الخبز العربي إلى 950 غراما بدلا من 840 غراما تعويضا من عملية رفع سعر الربطة إلى 4500 ليرة وهنا ظهرت مشكلة تسعيرة الخبز بين الوزارة والنقابة”.

بالنسبة إلى البيان الذي أصدره الوزير والذي يكشف فيه أن هناك مستودعات تحتكر الطحين وثمة مواد تهرّب، أكد سرور أن “النقابة قد طالبت النيابات العامة أن تتحرك بهذا الموضوع وأن تتخذ الإجراءات اللازمة”، مطالباً وزارة الاقتصاد بـ”ضرور تأمين المازوت الصناعي ووضع تسعيرة عادلة بحسب سعر المنصة لحل هذه الأزمة”. كما طالب بـ”وقف دعم بواخر القمح كليا ودعم فقط قسائم الطحين الأبيض المخصصة لصناعة الخبز العربي والتي تصدر عن وزارة الاقتصاد للمحافظة على الأسعار وتفاديا للاحتكارات”، كاشفاً عن أن “دعم القمح يكلّف الخزينة اللبنانية مبلغ 130 مليون دولار أميركي بينما الكميات المخصصة للخبز العربي لا تكلّف أكثر من 30 ألف طن للطحين الأبيض من أصل 600 ألف طن للقمح في السنة”.

في ما خصّ سياسات الدعم التي اعتمدتها الوزارة في هذا الإطار، أكّد سرور أن “سياسة دعم القمح كانت خاطئة بحيث إن مادة النخالة لم تُبع بالسعر المدعوم مثلها مثل العلف مما أثر بطريقة سلبية في كافة المنتجات الغذائية الأساسية كارتفاع سعر كرتونة البيض وكيلو اللحم بشكل خيالي. كما أن باقي أنواع الطحين الاكسترا كان يجب التوقف عن دعمها وإعطاء الأولوية للخبز العربي”.

ورأى أنه “بمجرّد أن يصار إلى وضعتسعيرة عادلة الليلة مع تأمين المازوت الصناعي للمطاحن والأفران، تذهب فورا الأفران لاستلام القسائم ويبدأ التوزيع، أما في حال غياب تسعيرة عادلة لا يمكن أن تتسلم الأفران قسائم الطحين والوزير يتحمّل هذه المسؤولية”.

الأمن الغذائي في خطر

من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، اعتبر الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة أنه “كان من الطبيعي أن تصل هذه الأزمات والمشكلات الى الرغيف لكون السياسات التي تطبقها السلطة الحاكمة أو الوزارة غير مدروسة”، مؤكدا أن “الطحين هو سلعة حيوية استراتيجية ممنوع المسّ بها وعلى الحكومة أن تشرف على كيفية استعمال الطحين المدعوم وكيفية صناعته لكي تستطيع أن تتحكّم بالسعر وتضبط الأمور”.

إقرأ أيضاً: “عهد الطوابير”

ورأى علامة أن “الكل مسؤول ومتورط من وزارة الاقتصاد إلى نقابة أصحاب الأفران والمخابز التي للأسف تستعمل الطحين المدعوم في صناعات أخرى غير الرغيف المحدد كقوت غذائي أساسي”، مشيرا الى أن “هناك كميات كبيرة من الطحين اختفت من السوق مما يدل على أن الطحين ربما يكون موضع تهريب”.

في الوقت عينه، اعتبر علامة أن “سياسات الوزارة غير سليمة وأجهزة الرقابة لا تقوم بواجبها من ناحية تتبُّع الكميات لكيفيّة صناعتها وانزالها الى الأسواق”، مستذكرا “الهبة العراقية من الطحين التي أودعت في مخازن المدينة الرياضية والتي خُزّنت بطريقة غير سليمة وتُلفت والتي حُكي عن بيعها الى أفران المناقيش والحلويات ومن ثم طالعنا وزير الاقتصاد بتصريحه الشهير بأن لبنان ليس بحاجة الى الطحين ويُرجى من جميع الدول أن لا ترسل الطحين كمساعدات الى لبنان”، معتبرا أن “كل هذا الموضوع المتراكم جعل من سعر الطحين خاضعاً للتجاذبات مما أثر في سعر ربطة الخبز، إذ إن البعض يحدد أنها ستكون بسعر 7000 إلى 8000 ليرة بحجم ستة أرغفة وهذا سعر خيالي وخطير جدا مما يشكل تهديداً على أمن المواطن الغذائي”.

شارك المقال