رياح الفقر “متعدد الأبعاد” تجتاح لبنان

هدى علاء الدين

دخل لبنان دوامة الفقر من بابه العريض على وقع انهيار تام لكافة مقومات العيش والصمود، فالأزمات المترابطة والمتشابكة هي أشد وطأةً اليوم على معدلاته التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق من كافة الحروب والصراعات والهزات الأمنية والأزمات الاقتصادية والمالية التي التي مرّ بها لبنان سابقاً، إذ بات الفقر واقعاً لا مفرّ منه يعيشه اللبنانيون بتفاصيله المؤلمة يومياً مع تدهور القدرة الشرائية وتراجع نوعية الغذاء وغلاء الأسعار الفاحش.

رحلة تصاعد معدلات الفقر وتفاقم مؤشراته السلبية بدأت منذ أكثر من عام، مع تحذيرات من عدّة جهات ومنظمات دولية بوقوف لبنان على حافة الإفلاس والانهيار، ليتوالى بعدها ارتفاع نسبة الفقر من 28 في المئة في عام 2019 إلى 55 في المئة عام 2020، لتصل اليوم إلى حدود الـ 75 في المئة من مجموع السكان حسب دراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) حملت عنوان “الفقر متعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهمة”. الدراسة التي أشارت إلى تفاقم الفقر في لبنان إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، أشارت إلى أن جميع شرائح المجتمع تعاني على حد سواء من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في لبنان وأن نسبة الفقراء من ذوي أعلى درجات التحصيل العلمي أصبحت تقارب نسبة الفقراء من ذوي أدنى الدرجات. كما أن نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية ارتفعت إلى 33 في المئة، بينما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف.

التقرير الذي أتى مليئاً بالأرقام الصادمة والمؤشرات المقلقة، كشف أنه إذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82 في المئة، لافتاً إلى أن معدلات التضخم ارتفعت في الفترة الممتدة من حزيران 2019 إلى حزيران 2021 بنسبة 281 في المئة، إذ انعكست تدنياً في المستوى المعيشي للسكان اللبنانيين وغير اللبنانيين وساهمت في انتشار الحرمان تزامناً مع الصدمات المتداخلة لانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية الذي ولّد ضغوطاً هائلة وأدى إلى انخفاض قيمة الليرة بعدما كان ثابتاً منذ مطلع القرن.

وعن تضاعف نسبة السكان الذين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد من 42 في المئة إلى 82 في المئة ما بين عامي 2019 و2021، تشير مصادر مطلعة إلى أن هذا النوع من الفقر لا يركز على الدخل فقط، إنما على الحرمان من التعليم والصحة والخدمات العامة والمسكن والأصول والممتلكات والعمل، في حين يُعدّ الحرمان من الصحة من أكثر الأبعاد أهمية التي ساهمت في ارتفاع معدّل الفقر المتعدد الأبعاد.

من جهتها، جدّدت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي الدعوة إلى إنشاء صندوق وطني للتضامن الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، مشيرة إلى أن الإسكوا قَدرت عام 2020 أنّه يمكن للعُشر الأغنى من اللبنانيين، الذين كانوا يملكون ثروة قاربت 91 مليار دولار آنذاك، تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدى نسبة 1 في المئة من ثرواتهم. كما دعت إلى وضع خطط فعّالة للحماية الاجتماعية تكون أكثر تلبية لاحتياجات الفقراء، ولا سيما أولئك الذين يعانون من الفقر المدقع المتعدد الأبعاد، وإلى توسيع نطاق هذه الخطط لتشمل العاطلين عن العمل، مشدّدة على أهمية التضامن والتعاون بين جميع مكوّنات المجتمع اللبناني للحد من تداعيات الأزمة. هذا وتشير الإحصاءات إلى أن 34 في المئة من الأسر اللبنانية في فقر مدقع وفي بعض المناطق تصل إلى 50 في المئة.

إقرأ أيضاً: فقر مدقع وسوء تغذية وتأخّر في النمو..!

كما ألقى تقرير الإسكوا الضوء على توصيف جديد للفقر الذي تعاني منه معظم الأسر اللبنانية، تحت مسمى “الفقر متعدد الأبعاد” الذي ينتج عن معاناة الأسرة من وجه واحد أو أكثر من الحرمان، حتى وإن لم تكن فقيرة مادياً، معتبرة أن مفاتيح الحلّ لهذه الأزمة في ظل عدم وجود أي توافق سياسي يمتلكها الأثرياء الذين يغيبون عن ساحة الإنقاذ، لتطرح بذلك عدّة علامات استفهام حول تدني مستوى التضامن والتكافل الاجتماعي، ولا سيما أن الثروات التي يمتلكها جزء من اللبنانيين كفيلة بانتشال هذه الأسر من براثن الفقر والتخفيف من وطأته وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا.

تحاصر الأزمات المواطن اللبناني من كل الجهات مفاقمة حالة الفقر التي يعيشها من دون أي رحمة، فالانهيار يأخذ معدّلاته إلى قاعٍ لا يُحمد عقباه في ظل واقع ضاغط واقتصاد متدهور ستجعل من قدرته على الاستمرار في النضال من أجل العيش ومجابهة رياح الفقر غايةً مستحيلةً مع غياب واضح للقرار السياسي بعدم الإنقاذ وتعمّد الانهيار.

شارك المقال