القطاع العقاري بين الارتباك والفوضى

فدى مكداشي
فدى مكداشي

شكلياً الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بلبنان منذ صيف 2019 انعكست انتعاشاً للقطاع العقاري لكن هذا الانتعاش كان وهمياً وقد يمهّد لنكسة، إذ إن الفورة العقارية التي شهدها لبنان عامي 2019 و2020، قد ترتد “سلباً”، كما حذر الخبراء الاقتصاديون بدءا من عامي 2021 و2022، وعندها سيبدأ القطاع بالنكسة نتيجة عدة عوامل أهمها تشبّع القطاع. فما حصل عامي 2019 و2020 هو نتيجة متوقّعة لأزمة المصارف ولمشكلة حجز الودائع التي دفعت الزبائن الى تحويل ودائعهم المحتجزة إلى وحدات عقارية من خلال الشيكات المصرفية التي رفعت سعر العقار نظريا، لكنها خفضته عبر الدفع بالدولار النقدي وقد استفاد من هذه العملية المطوّرون العقاريون الذين عملوا مع المصارف على تسويق عقاراتهم ووحداتهم العقارية عبر الشيكات المصرفية.

واقع السوق العقاري

وفي هذا السّياق، يشير الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة الى أنه “مع بداية الأزمة، انخفضت ودائع اللبنانيين بقيمة 19 مليار دولار أميركي ذهب منها 11 مليار دولار أميركي للمطوّرين العقاريين مقابل حركة عقارية حقيقية بقيمة ٦-٧ مليارات دولار أميركي منها تسديد القروض للمصارف. ومع نهاية العام ٢٠٢٠ وبداية ٢٠٢١، لم يعد وضع العقارات كما كان، إذ إن الإقبال على شراء العقارات كان مشروطا بأن يقدم المطوّرون العقاريون حسومات كبيرة لا بل رفع بعضهم أسعار العقارات بنسبة 30 في المئة في حال كانت عملية الشراء تتم عبر شيك مصرفي، علما أن الشيكات المصرفية بات عليها قيود كبيرة بدءاً من عام ٢٠٢١”.

بالنسبة لما بيع من المخزون الموجود في السوق العقاري عامي 2019-2020، يشير علامة الى أنه “يقُدّر بما بين ٥٠ – ٦٠ ألف وحدة سكنيّة، علما أنه خلال الأشهر السبعة الأوائل من العام 2021 قُدّر حجم الوحدات العقارية المتداولة بـ4000، لافتا الى أنه كان هناك تراجع في مجموع تراخيص البناء بدأ منذ عام ٢٠٢٠ وازداد عام ٢٠٢١، إذ شملت التراخيص نحو ٤٠٠٠م.م فقط، معتبرا أن التباطؤ في حركة العقارات سيستمر وسيضطر صغار المستثمرين إلى أن يكونوا مرنين في البيع وبخاصة بالدولار النقدي نظرا لحاجتهم للأموال في ظل شحّ المداخيل في لبنان. وقد يطال الأمر أيضا انخفاض أسعار الوحدات العقارية الصّغيرة من دون أن يعني ذلك انهياراً كاملاً للقطاع العقاري لكن عودة القطاع العقاري مرهونة بحل الأزمة المالية التي عصفت بلبنان وتحديدا أزمة المصارف والمودعين وأزمة القروض المصرفية، إذ أن معظم المطورين العقاريين قد استفادوا منذ بداية الأزمة بالبيع بالشيكات المصرفية مقابل تسديد قروضهم بقيمة أقل مما يتوجب عليهم، لافتاً الى أن هذا الأمر بعد تشبّع السوق لم يعد ممكنا وبالتالي إن نهضة القطاع من جديد رهن بتصحيح الوضع المالي والاقتصادي”.

هبوط مدوّ بأسعار الشقق

وعما إذا كانت المبيعات ستخفّض أسعار العقارات، يعبتر أمين سر جمعية مطوري العقار في لبنان (REDAL) مسعد فارس، أن “السوق اليوم في حال ارتباك وفوضى، إذ بات معظم الناس من كافة الاختصاصات يتعاطون في الشأن العقاري من المحامي الى مدير البنك والصيدلاني… لكن تشير أرقام صيف ٢٠١٩ إلى صيف ٢٠٢٠، الى أنه تم بيع زهاء 60 ألف شقة. أما عام ٢٠٢١، فتبيّن أن كل الذين رهنوا عقاراتهم استطاعوا أن يسكّروا ديونهم في المصارف، فالدين العقاري الذي كان ما يقارب الـ٢٠-٢٢ مليار دولار أميركي بات لا يتعدى الـ١٠-١٥ مليار دولار أميركي، الأمر الذي ساهم في تحسين أوضاع الناس الذين تخلّصوا من ديونهم”.

أما التباطؤ الحاصل اليوم، فيرى أن سببه “تزايد الطلب على الفريش دولار، إذ أن الشقة التي كان سعرها مليوني دولار أميركي أصبحت بـ500 ألف دولار أميركي فريش، معتبرا أن السوق العقاري مرتبط بشكل وثيق بالوضع السياسي القائم والذي بإمكانه ضبط سعر الصّرف والحد من انهيار الليرة. وبالتالي، في حال استقر الوضع السياسي يمكننا أن نستهلك في السنة ما بين 20-30 وحدة سكنية محليّا، لافتا في الوقت عينه الى أن هناك تزايدا في الطلب من اللبنانيين المغتربين على ما يقارب ٥١ ألف وحدة سكنية وأكثريتها بأسعار متوسطة ومقبولة، مشددا على أهمية إعادة تشغيل سوق العقارات خصوصا أن الإسكان كان يضخ أموالاً في المصارف وبالتالي انتعاش الحركة الاقتصادية من جديد”.

من ناحية أخرى، يرى المطوّر العقاري ورئيس مجلس إدارة شركة “بلاس هولدنغ” في قبرص جورج شهوان، أنه “على المدى المتوسط لا يوجد خوف على السوق العقاري في لبنان لأن الأراضي الصالحة للبناء قليلة ولا توجد مساحات كبيرة مثل دبي والسعودية وقبرص. لذا، في المطلق لا خوف على السوق العقاري من الانهيار على المدى البعيد”، موضحا أن “الذي حدث أنه مع بدء الأزمة تخوف الناس على ودائعهم وتدني قيمتها، مما أدى الى ارتفاع عمليّات شراء الشقق. وتبيّن مع الوقت أن خطوتهم كانت في الاتجاه الصحيح، إذ أن قيمة الشيك كانت تساوي ما بين ٢٠-٤٠ في المئة أما اليوم فالخسارة هي بحدود الـ٨٥ في المئة، مما يعني أن الذي اشترى شققا في تلك المرحلة بشيكات مصرفية حافظ على قسم كبير من قيمة أمواله. هذا الأمر دفع المطورين العقاريين الى تسكير ديونهم في المصارف خصوصا أنّ الأخيرة خفضت قيمة القروض المعطاة للمطورين العقاريين من خلال هذه العمليّة. لكن مع حلول عام 2021، انخفض الطلب على السوق العقاري فالذين اشتروا هم الأشخاص الذين كانوا خائفين على أموالهم. لكن في حال تحسّن الوضع الأمني والاقتصادي مع الحكومة الجديدة، من المتوقع أن نشهد استثمارات أجنبية من الخارج خصوصا مع تدني فارق العملة”.

ارتفاع استثمارات اللبنانيين في قبرص

في المقابل، عمد عدد كبير من اللبنانيين المغتربين والمقيمين الى تملّك شقق خارج لبنان. وفي هذا الإطار، يوضح شهوان أن “قسما من هؤلاء الناس هاجر الى تركيا، ودبي، واليونان، والبرتغال، لكن القسم الأكبر كان الى قبرص لعدة أسباب منها البحث عن خطة بديلة يستطيع من خلالها اللبنانيون تأمين عيلهم نظرا لوجود الأمن والاستقرار والكهرباء. أما السبب الثاني فهو الاستثمار بعقار وتشغيله للحصول على السيولة بالعملة الصعبة، فعندما يشتري بيتاً في قبرص يمكنه أن يؤجّره ويربح في المقابل ٤-٥ في المئة أو إذا استطاع أن يبيعه يمكنه أن يتصرف بالأموال كما يحلو له. وثالثا، الحصول على الإقامة الأوروبية. ورابعاً، أن قبرص قريبة من لبنان فهي تبعد عنه ٢٥ دقيقة في الطائرة”.

إقرأ أيضاً: سفارة المملكة: لا علاقة لنا بمنع الإيجار للشيعة

من ناحية أخرى، تتزايد أعداد اللبنانيين المغتربين الذين يستثمرون بالعقارات من خلال شراء الشقق خارج لبنان، في ظل فقدان الثقة وتدهور عملة البلاد. ويشير شهوان الى أن “هناك أكثر من 600 شقة تم بيعها في قبرص وأكثريّتهم من اللبنانيين المغتربين الموجودين في الخليج العربي وأفريقيا، وتبلغ قيمة مشترياتهم حوالى المليارين يورو كما أن هناك أكثر من ٢٥ ألف حساب مصرفي تم فتحه لهؤلاء في المصارف القبرصية”.

شارك المقال