اتهام عون بإثارة النعرات… هل يحضر لبنان في “بالي”؟

لبنان الكبير

دخل لبنان أسبوعه الثالث في رحلة البحث عن رئيس للجمهورية، لكن الأفق يبدو مسدوداً ومقفلاً، ويزداد انسداداً مع المواقف التصعيدية التي تطلقها القوى الفاعلة حتى أن اللبنانيين فقدوا ثقتهم بإنتاج حلول داخلية، ويتعلقون اليوم بحبال هواء مؤتمر دولي من هنا أو تسوية من خلف البحار من هناك، يمكن أن ينتشلهم من أزماتهم المعيشية الصعبة. وتتجه الأنظار اليوم الى قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الاندونيسية، لأن الشعب الغارق يتمسك بقشة نجاة على أمل الخلاص.

وفيما تنشغل الأوساط السياسية بالملفات الرئاسية والمالية والأمنية، شكل قصر العدل أمس محطة مهمة في المسار القضائي، اذ ادعى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على القاضية غادة عون بجرائم القدح والذم والتحقير ونشر أخبار كاذبة، والاخلال بواجبات الوظيفة واثارة النعرات الطائفية والمذهبية. وأحال عويدات ادعاءه على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لمحاكمة عون بالجرائم الجنحية المدعى بها عليها. ويأتي الادعاء بعد تخلف عون عن المثول أمام القاضي عويدات لاستجوابها في شكوى رئيس مجلس النواب نبيه بري وزوجته رنده ضدها على خلفية نشرها أسماء لشخصيات سياسية لبنانية بينها المدعيان، عن تحويلات مالية بمليارات الدولارات الى الخارج.

وفي هذا السياق، ِأشار مصدر قضائي لموقع “لبنان الكبير” الى أنه بالجرائم المنسوبة إلى القاضية عون، إذا أدينت بأقل جنحة فيها، تستوجب سجناً، أو يجب تحويلها إلى مجلس القضاء الأعلى، والنظر بأهليتها، سنداً للمادة 95 من قانون التنظيم القضائي. وإذا أعلن المجلس عدم أهلية القاضية، تعزل فوراً من دون أي إجراء، حتى من دون المرور بالتفتيش القضائي. وكان مجلس القضاء حاول سابقاً استدعاء القاضية عون مرتين وفق المادة 95 إلا أن الرئيس السابق ميشال عون تدخل لتعطيل هذا الأمر، فهل يقدم مجلس القضاء هذه المرة على اتخاذ قرار  جريء؟ مخالفات القاضية عون خلال السنوات الثلاث المنصرمة لا تعد ولا تحصى، ولو أقدم أي قاض على واحدة من هذه التجاوزات لما بقي دقيقة في منصبه، تحديداً لجهة قيامها بتمرد قضائي في العدلية، ورفضها تنفيذ أوامر مدعي عام التمييز.

وكان عويدات استمع الى افادة وكيل بري وعقيلته المحامي علي رحال الذي كرر شكواه ضد عون، فيما سارعت الأخيرة الى تقديم دعوى رد ضد عويدات أمام محكمة التمييز المدنية.

وبعيداً عن الدعاوى والدعاوى القضائية المضادة، تنطلق اليوم فعلياً، قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الاندونيسية، بمشاركة 17 رئيس دولة، وتبحث أزمة الطاقة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا. وتمهيداً للقاء المتوقع بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش القمة التي تنتهي بعد غد الخميس، أعلن قصر الاليزيه في بيان أن الرئيس الفرنسي اتصل بولي العهد السعودي، و”تم البحث في الأخطار التي تهدد استقرار المنطقة، وأكدا على ضرورة انتخاب رئيس للبنان وإجراء اصلاحات هيكلية، لا غنى عنها لنهوض البلاد، واتفقا على مواصلة تعاونهما وتعزيزه للاستجابة الى حاجات الشعب اللبناني الانسانية”.

ولفتت المعلومات الى أن التطورات في لبنان ومخاطر الفراغ الذي يعيشه، ستحضر في مباحثات الزعماء المشاركين في القمة لا سيما أطراف البيان الثلاثي أي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية، الذي صدر قبل نهاية عهد عون، وشدد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية كما تطرق الى مواصفات الرئيس الجديد.

وتتجه أنظار اللبنانيين الى القمة علها تأتي بجديد يساهم في خروج لبنان من دوامة التعطيل والفراغ والشلل الحاصل في مؤسسات الدولة خصوصاً أن كل يوم يمر، يظهر أكثر فأكثر عمق الهوة بين القوى السياسية التي بتشتتها أو عدم توافقها، وضعت الاستحقاق الرئاسي في مهب الريح والغموض حتى أن كثيرين أصبحوا على قناعة بأنه اذا لم تتدخل الدول لاخراج البلد من هذه الدوامة العقيمة، فإن انتخاب الرئيس صعب جداً، والسيناريوهات ستتكرر كل أسبوع في البرلمان من دون نتيجة.

وبعد البيان الثلاثي حول الفراغ الرئاسي، توالت الدعوات الأممية الى ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، كما تحدثت مصادر عن مساعٍ فرنسية بالتنسيق مع الجانب الأميركي للوصول الى سلة تفاهمات متكاملة بشأن لبنان، تشمل انتخاب الرئيس، والتوافق على رئيس الحكومة ثم القيام بحملة اصلاحية. ومن المقرر أن يستكمل اللقاء بين الرئيس الفرنسي وولي العهد  السعودي، على هامش القمة، البحث في بعض الملفات ومنها الملف اللبناني، لكن السؤال الذي يطرحه اللبنانيون، لماذا لا تثمر هذه الحركة الدولية، نتائج ملموسة في الواقع السياسي، وانفراجاً على مستوى الاستحقاقات الدستورية؟

في هذا الاطار، اعتبر أحد الخبراء في العلاقات الدولية أن المجتمع الدولي يهمه ألا يتحول لبنان الى بلد متفلت أمنياً خصوصاً بعد الترسيم البحري، وهو قادر على التأثير في انتخاب الرئيس اللبناني، لكن ليس الى حد الفرض. وأبرزت الانتخابات  النيابية نوعاً من التوازنات، والقوى السيادية ليست بسيطة. وبالتالي، الظرف الداخلي ليس بهذا السوء، وأبوابه ليست مشرّعة كلياً ليفرض الخارج أي رئيس. ولا بد من الاشارة الى أن هناك صراعاً دولياً كبيراً، وأزمة محروقات  أوروبية، ولسنا على الأجندة الدولية انما على الهامش، وشعوبنا ليست من أولويات الدول الكبرى انما الشعوب الأوروبية هي التي تحتل الأولويات والاهتمامات. وعدم التوافق الداخلي يقف عائقاً أمام تسهيل الخارج انتخاب رئيس الجمهورية مع العلم أن من المتوقع أن يطول الشغور فترة زمنية. والتحركات الدولية التي رأيناها حتى قبل انفجار المرفأ، ولم نر مفاعيلها على واقعنا المأزوم لأنها لم تترافق مع الاصلاحات الداخلية التي طالب بها صندوق النقد الدولي. وفي النتيجة، المنظومة السياسية في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وآخر همها وضع الناس المعيشي والحياتي.

وبما أن انتخاب رئيس الجمهورية يشكّل مدخلاً لانتاج السلطة التنفيذية، وممراً لمعالجة الأوضاع، تنادى نواب المعارضة الى لقاء موسع يُعقد اليوم، بمشاركة نواب من مجموعة الأحزاب المعارضة وكتلة النواب التغييريين والمستقلين، ويغيب عنه نواب حزبي “القوات اللبنانية” و”التقدمي الإشتراكي”، وذلك قبل انعقاد الجلسة السادسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. ويبحث النواب في ملفين: الأول يتعلق بالاستحقاق الرئاسي والتشديد على ضرورة انتخاب رئيسٍ للجمهورية في أسرع وقت ممكن مع العلم أنه لن يتم إلزام النواب المشاركين بتبنّي ترشيح النائب ميشال معوض. والثاني، المشاركة في الجلسات “التشريعية” في حال دعا إليها رئيس المجلس، إذ سيبحث في قرار مقاطعة أي جلسة تشريعية على اعتبار أن المجلس يُعتبر هيئة ناخبة، وظيفته الأساسية اليوم انتخاب رئيس الدولة.

وفي وقت أكدت مصادر “القوات” أن المهم أن يتفق المجتمعون على عناوين معينة، تشكل قاسماً مشتركاً بين كل قوى المعارضة، وهذا ما نسعى اليه مع الجميع، لفت أحد المحللين لموقع “لبنان الكبير” الى أن على النواب المشاركين أن يزينوا الأمور بميزان الجوهرجي. بالنسبة الى التغييريين الذين فقدوا وهجهم، وخيّبوا آمال الناس بهم، وأصبحوا على موجة مغايرة لموجة الناخبين، عليهم درس كيفية اعادة بناء الجسر معهم انطلاقاً من مصالحهم المهددة والتي لا أحد يلتفت اليها كالتعاميم التي تطبق بعشوائية والأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية المتراجعة بسرعة. كما عليهم وضع الاصبع على الجرح في القضايا الوطنية والسيادية وعدم المواربة كي يعيدوا الثقة بهم. أما الاجتماع عموماً، فسيبحث النواب خلاله، في كيفية الضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، والوصول الى مخرج في قضية النصاب، والمشاركة في الجلسات التشريعية. لكن، سيكون النواب في موقف صعب لأنه وان كانوا على حق باعتبارهم أن جلسات التشريع تعني أن البلد يسير بصورة طبيعية برئيس أو من دونه، إلا أنه في حال استمرت مرحلة الشغور لفترة طويلة، وهذا المتوقع، تنقلب مقاطعة جلسات التشريع ضدهم، وتضعهم في موقف ضعف وليس قوة خصوصاً أن الهدف من هذه الخطوة تشكيل ضغط سياسي وطني وصولاً الى انتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن. وفي حال لم تنجح خطوتهم أي لم يتمكنوا من انتخاب الرئيس، يصبح البلد في مهب الريح حيث لا برلمان ولا حكومة ولا رئيس جمهورية.

“الكابيتال كونترول” يترنح

وفي ساحة النجمة، عقدت اللجان النيابية المشتركة جلسة برئاسة نائب رئيس المجلس الياس بو صعب وغاب عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ومرة جديدة أخفقت اللجان في البحث جدياً في قانون “الكابيتال كونترول”، فعرضت له عرضاً وأرجأت البحث في تفاصيله.

وقال بوصعب بعد الجلسة: “كلّما وصلنا إلى بند الكابيتال كونترول في جلسة اللجان المشتركة يُعرقل النقاش بين من يريد إقراره وبين من لا يريد ذلك”.

شارك المقال