تكثر هذه الأيام اطلالات الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله الكلامية وكأنه يملأ فراغ الفعل الميداني المراوح في مكانه بالخطابات الخلبية، ليطلع علينا بالأمس ببدعة “أكبر حزب في لبنان” فيما الجميع يعرف ويدرك أنه أخطر حزب في المنطقة لجهة إنخراطه في مشروع إقليمي لم يحصد البلد منه غير الدمار والخراب، على غرار “المشاغلة” حالياً التي حوّلت أهل البيت الى نازحين في وطنهم ينتظرون مساعدات إنسانية فيما مزارعهم وبيادرهم وزيتونهم وعنبهم تحصدها النيران.
وغداة كلام نصر الله، أشعل الطيران الحربي الاسرائيلي مساء أمس القرى الجنوبية بعشرات الغارات، استهدفت عين قانا، جبل صافي، وحومين في اقليم التفاح، وكذلك أغار على الجبين، طيرحرفا، مروحين، وتم استهداف منزل في بلدة عدلون أدى الى سقوط قتيلين.
وفي تطور لافت، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن مقترح جديد لوقف الحرب في غزة يتضمن ثلاث مراحل، داعياً إسرائيل إلى القبول به “مهما كانت الضغوط. وأشار إلى أن بلاده ستساعد على صياغة حل بين لبنان واسرائيل.
في السياق الرئاسي، وبعد انتهاء زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، اعتبر إعلام بلده أن التحذيرات التي أسمعها للمسؤولين اللبنانيين، مردها أن الوقت ليس في صالحهم، فالعالم سيدخل في حمى الانتخابات الأميركية، والأولويات في الشرق الأوسط ليست للبنان، بل هو على الرف، وبالتالي إن لم ينتخب اللبنانيون رئيساً يعرضون أنفسهم لمزيد من التآكل والانهيار. ولعل هذا التحذير دفع برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب تيمور جنبلاط إلى البدء بجولة على القوى السياسية، سيستهلها بلقاء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يوم الثلاثاء المقبل وفق معلومات “لبنان الكبير”، وذلك للتأكيد على ضرورة الحوار، مهما كانت تسميته، للخروج من الأزمة.
بايدن
وكشف الرئيس بايدن عن خطة من ثلاث مراحل لوقف الحرب في غزة، مشيراً إلى أن المرحلة الأولى ستستمر لمدة ستة أسابيع، وتشمل وقفاً شاملاً لإطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من المناطق السكنية في القطاع. وأضاف: “إذا استغرقت المفاوضات أكثر من ستة أسابيع، فسيستمر وقف إطلاق النار طالما استمرت المحادثات.”
وأوضح أن المرحلة الثانية، ستشمل تبادل الأسرى، بحيث ستفرج إسرائيل عن جميع الأسرى الفلسطينيين الأحياء، مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية. أما في المرحلة الثالثة، فسيتم تنفيذ خطة إعادة إعمار شاملة لغزة، تهدف إلى إعادة بناء البنية التحتية وتحسين الظروف المعيشية لسكان القطاع. وقال بايدن: “هذا العرض مطروح الآن على الطاولة، وما نحتاجه هو التنفيذ.”
وأكد بايدن أن “المقترح قد تم نقله إلى قطر وحماس”، مشدداً على “أهمية التركيز على الهدنة وإنهاء الحرب في غزة”. وحث “القيادة الاسرائيلية على دعم هذا الاتفاق على الرغم من أي ضغوط”، طالباً من الاسرائيليين “أن يتراجعوا ويفكروا في ما سيحدث إذا فقدنا هذه الفرصة”.
وحذر بايدن من مخاطر العزلة الدولية المتزايدة لإسرائيل إذا لم يتم انتهاز هذه الفرصة لتحقيق السلام، معتبراً أن هذا المقترح يمثل فرصة حقيقية لإنهاء الصراع وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
ورأى أن “هذا الاتفاق إذا تم يمكنه مساعدة إسرائيل في أن تصبح أكثر اندماجاً في المنطقة بما في ذلك التطبيع مع السعودية”.
وأشار إلى أن “مصر وقطر تعملان على ضمان عدم استئناف حماس أي عمليات عسكرية ضد إٍسرائيل”، داعياً “حماس” إلى قبول الصفقة.
وأكد بايدن أن “الولايات المتحدة ستساعد في صياغة حل على الحدود اللبنانية وستسمح بعودة سكان المناطق المهددة شمال إسرائيل”.
الميدان
ميدانياً، أعلن الجيش الاسرائيلي أن طائراته قصفت 4 مجمعات عسكرية لـ”حزب الله” في منطقتي عيترون ومركبا في جنوب لبنان، وأطلقت مدفعيته قذيفتين على بلدة الوزاني في اتجاه البساتين، وقصفت بلدة الناقورة. وأعلنت غرفة عمليات الدفاع المدني التابعة لـ”الهيئة الصحية الاسلامية” استهداف أحد طواقمها الاسعافية في غارة شنتها مسيرة معادية على سيارة لها في الناقورة، ما أدى إلى مقتل مسعف وجرح آخر.
في المقابل، أعلن الحزب قصف مستعمرات جعتون ويحيعام وعين يعقوب، وهي المرة الأولى التي يتم استهدافها منذ بدء الحرب، وقالت وسائل إعلام اسرائيلية ان القصف تم بنحو 100 صاروخ.
وكان الحزب كثف عملياته، فأعلن عن شن هجوم جوي بمسيرات انقضاضيّة استهدفت منصات القبة الحديدية في مربض الزاعورة وأطقمها وأماكن استقرارهم وعملهم، ما أدى إلى تضررها واشتعال النيران فيها. كذلك، استهدف الحزب مبنى يستخدمه جنود إسرائيليون في مستعمرة شوميرا وقرية طربيخا، وكذلك ثكنة برانيت (مقر الفرقة 91) بصواريخ “بركان” الثقيلة. كما استخدم الحزب هذه الصواريخ لاستهداف موقع البغدادي، إضافة إلى قصف مستوطنة راموت نفتالي وموقع معيان بـ”صلية صاروخية”.
نصر الله
وتزامن التصعيد مع خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” الذي رأى أن “المعركة في الجنوب تعني مستقبل لبنان والثروة والسيادة اللبنانية”، مشدداً على أن “جبهة لبنان هي جبهة قوية وضاغطة على العدو الاسرائيلي”. وقال: “خلال الأيام الأخيرة، اضطر نتنياهو ووزير الحرب ورئيس الأركان للحضور إلى الشمال للقول للمستوطنين إنه يبعد المقاومين لكيلومترات عدة، لكن المقاومة ردت عليه سريعاً لتقول إن المقاومين ما زالوا على الحدود”.
وتحدث نصر الله عن “مغالطة من البعض الذي يقول إن الشعب اللبناني لا يوافق على هذه المعركة، ولكن هذا غير صحيح”، وأضاف: “أقول لهذا البعض: ماذا تعتبر كل هؤلاء الشهداء الذين ارتقوا من حزب الله وحركة أمل والحزب القومي والجماعة الإسلامية وعوائلهم؟ أليس كل هؤلاء والبيئة الحاضنة من الشعب اللبناني ومَن يؤيد هذه الجبهة الجنوبية المساندة لغزة هم من كل الطوائف في لبنان؟!”.
واعتبر أنه “يجب على كل طرف أن يعرف حجمه وما يمثل قبل الحديث باسم كل الشعب اللبناني ومواقفه”، قائلاً: “نحن نعتبر أننا أكبر قاعدة شعبية في لبنان وأكبر حزب في لبنان”.
وحول ملف رئاسة الجمهورية، لفت نصر الله إلى أن “هناك من يقول بأن سبب عرقلة الانتخابات الرئاسية هي جبهة إسناد غزة، وهذا غير صحيح، والذي عطّل الانتخابات قبل بدء طوفان الأقصى هو الخلافات الداخلية والتدخل الخارجي الذي يقدّم نفسه بعنوان مساعد”.
وشدّد على أن “لا علاقة للمعركة في الجنوب وغزة بانتخابات الرئاسة في لبنان، ولا ربط بين الملفين”، مؤكداً أن نتائج معركة الجنوب أعلى وأكبر من المكاسب الداخلية والسياسية، كما كان التحرير في عام 2000 والانتصار في عام 2006.
لودريان
بعد مغادرته لبنان، اعتبرت مصادر اعلامية فرنسية أن “كلام لودريان خلال جولته على المسؤولين تحذيريّ، لأن الوقت ليس لصالح لبنان، فدولياً سيدخل العالم في حمى الانتخابات الأميركية، والمنطقة الشرق أوسطيّة ستشهد أولويات مختلفة لن يكون لبنان في مقدمتها، بل سيكون على الرفّ، لذلك إذا لم ينتخب اللبنانيون رئيساً ولم تنتظم مؤسساتهم فسيذهبون إلى مزيد من التآكل والانهيار، ولا يقصد لودريان إنحراف اللبنانيين إلى التقاتل أو الحرب الأهلية، إلا أن الحياة السياسية أصبحت معطّلة بدءاً من الدستور، وكل الاستحقاقات الدستورية والديموقراطية مروراً بتوالي الأزمات عند كل استحقاق لأن لا معايير واضحة”.
وأشارت المصادر الى أن لودريان اقترح الحلول التي تتفق حولها اللجنة الخماسية، وتبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية تموز المقبل، مع الالتزام بالتشاور المحدود النطاق حول خيار رئاسي ثالث، وهو المدخل لانتخاب رئيس، ثم الذهاب إلى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس.
جنبلاط
على وقع هذه التحذيرات، يتحرك النائب تيمور جنبلاط، في جولة تبدأ الأسبوع المقبل، والهدف الأساسي منها بحسب ما أكدت مصادر الحزب “التقدمي الاشتراكي” لـ”لبنان الكبير” هو “التشاور مع مختلف القوى السياسية منها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ وغيرهما، من أجل التأكيد على ضرورة الحوار بطبيعة الحال في محاولة لإيجاد مخارج حقيقية للأزمة”، مشددة على أن “قناعتنا تبقى، بغض النظر عن التسمية حوار أو تشاور بأن لا بد من الحوار بين الأطراف ولودريان أيضاً شجع عليه”.
وأوضحت المصادر أن “اللقاء الديموقراطي يدرس إطلاق دينامية سياسية وحركة مشاورات مع معظم الكتل والقوى السياسية من أجل أن نلاقي أصدقاء لبنان في محاولة إيجاد المخارج والحلول في الاستعصاء الرئاسي الحاصل”.