من كان ليسأل نفسه هذا السؤال قبل أيام معدودة؟ للأسف كانت “سهام الشمال” خبيثة ومكنت “ملك إسرائيل” من النيل من “سيد المقاومة” بعشرات الأطنان من المتفجرات، تحت عشرات الأطنان من الركام، ليحقق ما كان كثيرون يعتبرونه مستحيلاً: إغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله.
“السيد” مات. كثيرون بكوه بالدمع والرصاص. كثيرون فرحوا بل وشمتوا بهذا الموت الذي جاء بمثابة إنتقام لموتاهم الكثر في لبنان وسوريا حيث استباح “حزب الله” الدم والأحلام لتحقيق مصالح محور فئوي، ساند كل الشريرين في هذا المشرق العربي، لينشر هلالاً فارسياً يستقوي بالأقليات على الجماعة.
بين النادبين والشامتين اختار كثر أيضاً أن يحيّدوا الحسابات السياسية مع من أرسى دويلة أكلت الدولة وحكّمت فيها أسوأ الجنرالات المرتزقة، وأوصلت البلد الى جهنم، ليكونوا أشبه بـ”أبو ملحم” على طريقة حبوا بعض وتبويس اللحى.
وحده سعد رفيق الحريري، وريث الدم والوصي على حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، زاوج بين الشخصي والسياسي في نعيه للسيد نصر الله، مستنكراً إغتياله من منطلق “أننا نحن الذين دفعنا غالياً من أحبتنا حين صار الإغتيال بديلاً للسياسة” ليقول: “اختلفنا كثيراً مع الراحل وحزبه والتقينا قليلاً لكن كان لبنان خيمة الجميع”، ويؤكد أن “الحفاظ على لبنان وطناً لكل أبنائه لا يتم إلا بوحدتنا جميعاً. المطلوب الآن من الجميع التعالي فوق الخلافات والأنانيات للوصول ببلدنا الى شاطئ الأمان”.
“السيد” مات وشهية “ملك إسرائيل” بنيامين نتنياهو إنفتحت أكثر على العدوان والقتل والتدمير مستفرداً بلبنان بمرأى من العالم، فارضاً قواعد لعبة جديدة: لا شيء سيمنع إسرائيل من إشباع طمعها على إمتداد خريطة الشرق الأوسط.
ودفعت عملية الاغتيال إيران، الراعي الرئيسي لفصائل “محور المقاومة”، إلى التحذير من أن إسرائيل بدأت “مرحلة خطيرة من الصراع من خلال تغيير قواعد الاشتباك”، فيما تبدو فصائلها في حالة ضياع، تتساءل إن كان نصر الله “كارتاً” أُحرق على طاولة المفاوضات مقابل مكتسبات اقليمية، لا سيما أن التصريحات الايرانية تبدو دون مستوى الفاجعة، أم أن الجمهورية الاسلامية بالون منفوخ يجري تنفيسه حالياً، باستعمال “الطوفان” ذريعة.
المؤكد أن نتنياهو لم يعد خائفاً على مستقبله كما كان بعد الطوفان، وهو يستطيع إعلان انتصاره في الحرب، واعتبر أن إسرائيل “صفت الحساب” باغتيال نصر الله، قائلاً في فيديو: “لقد صفينا الحساب مع المسؤول عن مقتل عدد لا يحصى من الاسرائيليين والعديد من مواطني الدول الأخرى، من بينهم مئات الأميركيين وعشرات الفرنسيين”، مضيفاً أن إسرائيل وصلت إلى “ما يبدو أنه منعطف تاريخي” في الحرب ضد “أعدائها”.
في مناطق البيئة الحاضنة، أطلق مسلحون أعيرة نارية في الهواء وأمروا أصحاب المتاجر في أجزاء من بيروت بإغلاقها، وقال أنصار “حزب الله” إنهم في حالة من الصدمة وعدم التصديق بعد اغتيال نصر الله.
وسمع دوي أعيرة نارية في منطقة الحمراء بينما أطلق أنصار للحزب النار في الهواء، وسُمعت حشود تهتف “لبيك نصر الله!” وذكرت قناة “المنار” التابعة لـ “حزب الله” أن مواكب شقت طريقها عبر الضاحية الجنوبية لبيروت. وبثت القناة آيات من القرآن الكريم حداداً على اغتيال نصر الله.
ودبت حالة من الهدوء الموحش في أجزاء أخرى من بيروت، وتحولت المطاعم التي كانت تعج بالزبائن عادة في أيام السبت الى أماكن مهجورة.
وأكد الحزب اغتيال نصر الله، في بيان أصدره بعد ساعات من إعلان الجيش الاسرائيلي أنه قتله في غارة جوية على المقر المركزي للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة.
ويشكل مقتل نصر الله ضربة قاصمة لـ”حزب الله” الذي يواجه حملة عنيفة من الهجمات الاسرائيلية، وحتى مع ظهور تلك الأنباء كان بعض أنصار الحزب يأمل بشدة في أنه لا يزال على قيد الحياة بطريقة أو بأخرى.
وكان نصر الله، الذي قاد “حزب الله” منذ اغتيال زعيمه السابق عباس الموسوي في عملية إسرائيلية عام 1992، معروفاً بخطاباته المصورة التي كان يتابعها كل من مؤيدي الحزب ومعارضيه باهتمام بالغ.
وقال مصدر أمني لـ “رويترز” إن الجيش اللبناني شدد الاجراءات الأمنية في أنحاء العاصمة، بعد أن انتشر بصورة احترازية حول السفارة الأميركية شمالي بيروت.
وأمضى العشرات الليل في العراء بعد فرارهم من الغارات على الضاحية الجنوبية. وذكر مصدر أمني آخر أن قوات الأمن اللبنانية تستعد لاندلاع محتمل للتوترات الطائفية.
وعلى الرغم من اغتيال نصر الله وعدد من قيادييه، أعلن الجيش الاسرائيلي أنه يسعى إلى إضعاف الحزب “قدر الإمكان”. وقال: “هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به ضد حزب الله، وهناك المزيد من المراحل والقدرات التي يمكن استخدامها ضده” وفق ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وأكدت مصادر عسكرية أن الضربات التي تستهدف كبار مسؤولي “حزب الله” وقدراته وشحنات الأسلحة، ستستمر.
وأوضح الجيش الاسرائيلي أن الطائرات المقاتلة التابعة له أسقطت أكثر من 3500 قذيفة على مواقع “حزب الله” خلال الأسبوع الماضي، ما أدى إلى تدمير العديد من قدراته الصاروخية والقذائف والطائرات من دون طيار، إلى جانب مواقع استخباراتية.
وحسب الصحيفة، فقد فرض الجيش “حصاراً عسكرياً” على لبنان، ومنع تهريب الأسلحة إليها من إيران، سواء عبر المعابر البرية أو عبر مطار بيروت الدولي، ونفذ ضربات على بعض المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، ولم يُسمح لبعض الرحلات الجوية القادمة من إيران بالهبوط في بيروت.
وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه نفذ “ضربة دقيقة” في الضاحية الجنوبية، وأنه قتل عضواً كبيراً في استخبارات “حزب الله” في الغارة، محدداً اسمه بأنه حسن خليل ياسين.
ولوحظ تحوَل النشاط العسكري الاسرائيلي باتجاه الضاحية الجنوبية، عبر تنفيذ عشرات الضربات منذ فجر السبت، وتواصلت لتشمل كامل مناطق الضاحية، بالتوازي مع محاولات اغتيال فيها، وضربات جوية مكثَّفة على البقاع والجنوب.
ونفَّذت الطائرات الحربية سلسلة من الغارات استهدفت مناطق سكنية في الكفاءات والليلكي والحدث والشويفات، وأحياء في منطقة برج البراجنة والشياح. ونفت العلاقات الاعلامية في “حزب الله” صحة مزاعم العدو الصهيوني والادّعاءات الاسرائيلية عن وجود أسلحة أو مخازن أسلحة في المباني المدنية المستهدفة بالقصف في الضاحية الجنوبية.
وكان لافتاً، خلال تنفيذ إسرائيل غارات على الضاحية، حركة الطائرات المدنية في مطار رفيق الحريري الدولي، خلال إقلاعها وهبوطها، وكانت تدخل أجواء الضاحية بالتزامن مع الغارات.
وتجدّدت الغارات بعد ظهر السبت، واستهدفت الشياح وبرج البراجنة، وتحدثت معلومات عن مجزرة في حي السلم. وقال الجيش الاسرائيلي في بيان مقتضب، إنه “هاجم بشكل دقيق” في الضاحية الجنوبية.
ودخلت منطقة جبل لبنان في دائرة الاستهدافات الاسرائيلية، بحيث أُفيد عن قصف على بلدة بعدران في قضاء الشوف، والمنطقة الواقعة بين بحمدون وصوفر. وتلقّى سكان أحد المباني في مرج بعقلين في الشوف تهديداً إسرائيلياً، وطُلب منهم إخلاءه فوراً.
في المقابل، أصدر “حزب الله” حتى مساء السبت، 7 بيانات يُعلن فيها عن قصف في إسرائيل، استهدف مستعمرة “كابري” بصواريخ “فادي 1″، وقاعدة ومطار “رامات ديفيد” بصواريخ “فادي 3″، وموقع الصدح ومستعمرات “ساعر” و”روش بينا” و”متسوفا” و”معالوت”، حسبما جاء في بيانات متتالية.
وأفادت “القناة 12” الاسرائيلية بإطلاق 16 صاروخاً من لبنان باتجاه الجليل في إحدى الدفعات الصاروخية. وأعلنت الجبهة الداخلية الاسرائيلية عن دويّ صافرات الإنذار في عكا وعشرات المواقع المحيطة، بعد رصد إطلاق صواريخ، كما أعلنت عن سقوط صاروخ أُطلق من لبنان على “نتسيريت عيليت” بمدينة عكا.