متاريس وتراشق… والحكومة بين ألغام التصاريح 

هيام طوق
هيام طوق

هي متاريس سياسية وبرلمانية وحكومية وإنتخابية وقضائية واقتصادية على مد النظر. يشيّدها لبنانيون ويتمترسون خلفها، ليصوّب كل فريق رصاصه الاتهامي على الآخر من منطلق “أنا من مناصري الحق وغيري من مناصري الباطل”. وفي ظلّ هذا التراشق الذي لا يسجّل أي هدنة حتى للحظة واحدة، يجد المواطن نفسه عالقاً بين خطوط تماس، يتلقّى كل أنواع الضربات، بالأسلحة الخفيفة والمتوسّطة والثقيلة التي مزّقت جسده وقطعت أنفاسه وسحبت روحه. وما من فريق مسعف يهرع لإغاثته.

لم يكن البلد في ذلك الخميس فقط، في حالة حرب في مناطق الطيونة والشياح وعين الرمانة، بل أنّ الاشتباك على أشدّه كل يوم وعلى مدار الـ24 ساعة بين الأفرقاء السياسيين الذين يختلفون على جنس الملائكة، في ظل سلطة متحلّلة لا قيادة فيها تضرب بيد من حديد للحفاظ على حد أدنى من مقوّمات الدولة.

المعركة البرلمانية أول من أمس في الأونيسكو ليست تفصيلاً في الحياة السياسية، بل تُظهر مدى الشرخ القائم بين اللبنانيين الذين لا يختلفون على تقريب موعد من هنا وتأخير آخر من هناك، بل أنّ القضية أعمق بكثير يصح معها المثل القائل: “القصة ليست قصة رمانة بل قلوب مليانة”، خصوصاً بين “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”.

ووفق مصدر مطلع لـ”لبنان الكبير”، فإنّ السجال الذي حصل بين نواب “كتلة لبنان القوي”، ونواب “التنمية والتحرير”، ونجاح البرلمان في التصويت بأغلبية 77 صوتاً لتقريب موعد الانتخابات، ونتيجة التصويت في موضوع مقاعد الانتشار (61 صوتاً) وتسبّبها بإشكالية احتساب الغالبية وفتح باب النقاش القانوني والدستوري، ينذر بأن الفريق “العوني” لن ينام على ضيم ويستعد لرد الضربة، التي يعتقد أنه تلقّاها، من خلال عرقلة أو تأخير أو حتى تطيير الانتخابات، مستخدماً كل الوسائل الممكنة، إن لناحية الطعن أمام المجلس الدستوري أو الرهان على تطوّرات ما قد تظهر في الأفق تؤدّي إلى إرجائها.

ولفت المصدر إلى أنّ “هناك أحاديث في كواليس نواب يعربون خلالها عن عدم رغبتهم في إجراء الانتخابات، وليس فقط تأخيرها لموعد آخر، على الرغم من أنّ كل الأطراف بدأت التحضير للاستحقاق الدستوري على أنه قائم”.

وفيما يعوّل المجتمع الدولي على الانتخابات، ويصرّ على إجرائها علّها تبدّل في المعادلة السياسية، أكدت المتحدّثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث أنّ العقوبات الأميركية المفروضة على النائب جميل السيد ورجلي الأعمال داني خوري وجهاد العرب، رسالة واضحة مفادها أنّ الولايات المتحدة ستستهدف الفساد في لبنان، وتسعى إلى تعزيز المساءلة والمحاسبة والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في مطالبته بوجود حكومة ملتزمة بالقيام بواجباتها وقادرة على اتخاذ الخطوات الجذرية المطلوبة لمعالجة الصعوبات. وردّ جميل السيد، قائلاً: “من لديه مئات آلاف الشهود ليس بحاجة إلى الدفاع عن نفسه”.

وطلب رئيس الجمهورية ميشال عون من وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، إجراء الاتصالات اللازمة بالسفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للاطلاع على الظروف التي دفعت وزارة الخزانة الأميركية إلى فرض العقوبات.

على الجبهة الحكومية، تبدو المعارك محتدمة على أكثر من محور، إذ أنه بعد التفاؤل الحذر من إمكانية استئناف جلسات مجلس الوزراء بعد محاولات حثيثة لتفكيك الألغام القضائية والسياسية التي أصابتها بالشلل، على الرغم من اجتماعات اللجان الوزارية، فهي اليوم تواجه لغم تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي التي لا تزال شظاياها تتفاعل على المستوى الداخلي وعلى مستوى العلاقات مع دول الخليج التي لا تقبل أي تأويل في هذا الموضوع، وفق المعلومات المتداولة.

وفيما حظي قرداحي بدعم مطلق من رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الذي أكد أنه يحظى بالغطاء السياسي الكامل، أشاد “حزب الله” بما وصفه بـ”الموقف الشجاع والشريف الذي اتخذه قرداحي، من موقعه الإعلامي والأخلاقي والوطني، دفاعاً عن شعب اليمن المظلوم، وتوصيفه للعدوان على حقيقته، باعتباره عدواناً أدّى إلى سفك الدماء وقتل مئات الآلاف، وحصار شعب بأكمله تحت مخاطر الجوع والمرض”.

ورد “تيار المستقبل” في بيان شديد اللهجة، انتقد فيه “تطاول (حزب الله) على الأشقاء العرب وتعريضه مصالح لبنان للخطر”، لافتاً إلى أنّ اللبنانيين اعتادوا على هذه اللغة من “حزب الله”، “بمثل ما اعتادوا على خروجه عن مقتضيات المصلحة الوطنية وإصراره على وضع لبنان في خانة العداء لأشقائه، كرمى لعيون أولياء أموره في طهران”.

وللإحاطة بهذه القضية من جوانبها كافة، تواصل “لبنان الكبير” مع عضو “كتلة الوسط المستقل” النائب علي درويش، الذي أشار إلى أنّ “الرئيس ميقاتي لن يعود قبل منتصف الأسبوع المقبل، لأنه يشارك في مؤتمر دولي في الخارج، لكن هناك مساعيَ لإعادة انعقاد جلسات مجلس الوزراء، إذ أنه قبل تصريح وزير الإعلام كانت الأمور إيجابية على هذا الصعيد. الأمور قيد المعالجة، ولا تصوّر واضحاً للمنحى الذي تتّخذه هذه المعالجة حتى الآن، لكن ننحو نحو الايجابية لأنّ وضع البلد لا يحتمل المزيد من الخضّات”.

وشدّد على أنه “علينا التعويل على الإيجابيات ومعالجة القضية بتروٍ وهدوء، ونريد المحافظة على علاقاتنا المميّزة مع دول الخليج، والرئيس ميقاتي يتواصل يومياً مع أطراف عدّة محلية أو اقليمية لحلحلة العقد”، مؤكداً أنّ “استقالة الحكومة غير مطروحة، وأنّ استقالة الوزير قرداحي تأتي ضمن المعالجة العامة للقضية”.

وفي الوقت الذي تتحدّث فيه مصادر إعلامية عن أنّ البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي يحاول تعطيل الألغام التي تعوق استئناف جلسات مجلس الوزراء، فإنّ النائب جبران باسيل يعمل على قطع الطريق أمامه، لأنه يشترط الحصول على أثمان سياسية، إذ أوضح عضو” كتلة الجمهورية القوية” النائب عماد واكيم في حديث لـ”لبنان الكبير” أنّ “البطريرك الراعي يتمنّى أن تنعقد جلسات مجلس الوزراء لتسيير أمور البلد، لأنّ الناس لم يعد باستطاعتهم التحمّل أكثر، وهم اليوم يعيشون في الجحيم ويتخبّطون بمشاكلهم الحياتية. والنائب باسيل همّه الأول والأخير رئاسة الجمهورية، ويعمد إلى التعطيل وفي كل الاتجاهات، إذا لم تصب الأمور في هذا الاتجاه، خصوصاً بعد الغزل الذي رأيناه بين “حزب الله” وفرنجية، وكأنّ الحزب أراد إيصال رسالة إلى باسيل مفادها أنّ خيارنا للرئاسة فرنجية وليس أنت”، لافتاً إلى أنّ “التيار حليف الحزب من جهة، ونرى الخلافات بينهما من جهة ثانية. واللبنانيون وحدهم يدفعون ثمن التحالف وثمن الخلاف”.

ورأى واكيم أننا “أمام معضلة حقيقية في خلافنا مع السعودية ودول الخليج، حيث يوجد مئات الآلاف من شباب لبنان، والكل يدرك خطورة القطيعة مع الخليج في حال تأزمت الأمور، وبالتالي، على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الذي يدوّر الزوايا، اتخاذ موقف واضح وايجاد حلّ صحيح للقضية”، مشيراً إلى أنّ “الحزب يضع مصلحة إيران أولى الأولويات، وباسيل مصلحته الخاصة أولى الأولويات، والشعب يدفع الثمن”.

على صعيد آخر، أرجأ المحقّق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، إلى الثلاثاء 9 تشرين الثاني المقبل، جلسة استجواب النائب غازي زعيتر، بعد أن حضر وكيله القانوني سامر الحاج، وتقدّم بدفوع شكلية تتعلّق بعدم اختصاص المجلس العدلي بملاحقة الوزير زعيتر، باعتبار أنّ الصلاحية تعود للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ورفض وكلاء زعيتر التحدّث للإعلام، معتبرين أنّ الموضوع قانوني بامتياز وأنّ ما يفعلونه هو حقّهم القانوني.

وفيما تحدّثت المعلومات أنّ القاضي البيطار ماضٍ حتى النهاية بملف انفجار المرفأ، أعلن السفير الروسي في بيروت لـ”سبوتنيك” أننا “مستعدون للمساعدة بعد طلب لبنان صور الأقمار الصناعية لانفجار المرفأ”.

شارك المقال