بعد أن وضع سفراء الخماسية الدولية الملف الرئاسي في دائرة الاهتمام من جديد، شهد لبنان أمس أصداء إيجابية من القوى السياسية حيال المبادرة الجديدة، حتى من الثنائي الشيعي، اذ اعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن لا بد من تسوية رئاسية، على قاعدة “رابح رابح”، الأمر الذي قرأته أوساط سياسية أنه تلميح شيعي الى القبول بفكرة “المرشح الثالث”، إلا أن أوساطاً نيابية، وعلى الرغم من تفاؤلها بالحراك الخماسي، عبّرت عن توجسها من “أرانب” اللحظة الأخيرة التي قد تفشل المشاورات وتعيد طرح أسماء لا سبيل الى التوافق حولها.
وسط هذه الأجواء استمر الميدان على حاله، فبعد أيام من العمليات النوعية لـ”حزب الله”، أدخل فيها أسلحة جديدة إلى ساحة المعركة، عادت اسرائيل لتصعيد اغتيالاتها بالمسيرات، فطالت عنصراً من الحزب في منطقة الزهراني، بالاضافة إلى طفلين سوريين في بلدة النجارية، وتم تناقل مشهد مصور لصاروخ في أحد بساتين البلدة، على أساس أنه صاروخ اسرائيلي لم ينفجر، فيما نقلت اذاعة الجيش الاسرائيلي عن مسؤولين عسكريين قولهم ان الصاروخ جو – أرض، ربما نقلته ايران إلى “حزب الله”، وهو من المنظومات الدفاعية المتطورة، وربما تعتبره اسرائيل تهديداً خطيراً، قد يدفعها إلى شن عملية عسكرية أوسع على لبنان، لإزالة التهديد.
“الخماسية”
على صعيد “الخماسية” علم “لبنان الكبير” أنها لمست إيجابية، خلال لقاءاتها مع القوى السياسية، علنياً وضمنياً، بالاتجاه نحو مرشح ثالث، وأن الأمور متوقفة الآن عند تحديد أمرين، الأول هو من يرأس المشاورات والثاني هو من يدعو إليها. ووفق المعلومات، فإن “الخماسية” بإشارتها إلى مبادرة “الاعتدال الوطني”، تعطي الكتلة الأولوية لأن تكون هي الداعية الى المشاورات، بحكم أنها صاحبة المبادرة، أما عمن سيرأس الجلسة، فيدو أن هناك إصراراً من عين التينة على أن يكون الرئيس نبيه بري هو رئيسها.
إلى ذلك، توقفت مصادر سياسية عند أهمية الجملة الأخيرة في بيان “الخماسية”، الذي يضعها في موقع الشاهد على المشاورات، أي ستكون بحضور سفرائها.
أما عن تعبير “مشاروات محدودة النطاق” ففسرته المصادر بأن تكون الجلسة محددة بمدة زمنية لا تتجاوز الـ 48 ساعة، على أن تعقد جلسة الانتخاب الرئاسية بعدها مباشرة، بأربع دورات متتالية، وفي حال لم يصل المجلس إلى توافق يعاد فتح المشاروات مجدداً لمدة 48 ساعة، ثم تليها جلسة بأربع دورات متتالية وفي حال فشلت أيضاً، تتم العودة إلى مشاورات 48 ساعة بين الكتل، وصولاً إلى جلسة تنتج رئيساً توافقياً بنصاب كامل، وبغالبية تحصّن لبنان وتبقيه على طاولة التسويات في المنطقة.
وبالنسبة الى المرشحين، “الخماسية” لم تدخل في طرح الأسماء، وفق المعلومات، ولكنها مع سياسة أن أي أسماء لا يتم التوافق عليها، تطرح أسماء جديدة تنجح في تأمين توافق غالبية القوى السياسية.
في السياق نفسه، عبّرت أوساط نيابية عن تفاؤلها بخريطة الطريق التي وضعتها “الخماسية”، ولكنها في المقابل، تتوجس من بعض “الأرانب” التي من شأنها إفشال المشاورات وإعادة طرح أسماء لا سبيل الى التوافق حولها.
وفيما كان من الطبيعي أن ترحب المعارضة بحركة “الخماسية”، كان لافتاً ما قاله المفتي أحمد قبلان، في خطبة الجمعة: “المصلحة الوطنية تتطلب النزول عن الشجرة، ولا أعداء في هذا البلد، ولا بد من تسوية رئاسية على قاعدة رابح رابح، وليس فينا من يربح بخسارة شريكه الوطني، وبأي مفصل سياسي أو دستوري يجب تأمين الشراكة الاسلامية المسيحية، ولا عيش مشترك من دون المسيحيين، ولا عدالة سياسية بلا تمثيل مسيحي كامل”، وهو ما فسرته أوساط سياسية بأنه قبول شيعي بفكرة المرشح الثالث.
الميدان
ميدانياً، وسّعت إسرائيل دائرة استهدافها عمق الجنوب اللبناني عبر شنّها غارات على منطقة الزهراني في قضاء صيدا، ما أدى إلى مقتل عنصر في “حزب الله” وطفلين سوريين، في وقت نقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم إن إيران نقلت وسائل دفاع جوي متقدمة لـ”حزب الله”، مستندين في ذلك إلى صور من موقع عسكري هاجمه الجيش الاسرائيلي.
وشنّ الطيران الاسرائيلي، صباح الجمعة، غارة على بلدة النجارية الساحلية، وأخرى على بلدة العدوسية المجاورة في منطقة الزهراني، قضاء صيدا، حيث هرعت سيارات الإسعاف إلى البلدتين اللتين تبعدان نحو ثلاثين كيلومتراً كمسافة مباشرة عن أقرب نقطة حدودية مع إسرائيل، بحسب ما أفادت “الوكالة الوطنية للاعلام”.
وهي المرة الثانية التي يستهدف فيها الطيران الاسرائيلي منطقة الزهراني، بعدما كان شنّ غارة في تشرين الثاني الماضي على شاحنة في المنطقة، في حين طالت الغارة الثانية، بستاناً في العدوسية، سبق أن استهدفته إسرائيل عند بدء التصعيد مع “حزب الله” أيضاً.
وأفادت وسائل الاعلام بأن الغارة التي استهدفت النجارية أدت إلى مقتل طفلين سوريين هما أسامة وهاني الخالد، ليعود بعدها “حزب الله” وينعى أحد عناصره ويُدعى حسين خضر مهدي من بلدة النجّارية، من دون الاشارة إلى صفة قيادية له، بعدما ذكرت معلومات أنه قيادي في الحزب.
وقال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس”، إن الجيش الاسرائيلي “استهدف بنية تحتية لحزب الله تضم عدة مجمعات عسكرية كانت تستخدمها وحدة الدفاع الجوي التابعة للحزب في منطقة النجارية”.
وكان الحزب أعلن صباح أمس، أنه شنّ “هجوماً جوياً بعددٍ من المُسيّرات الانقضاضية” على مقر كتيبة المدفعية في جعتون بشمال إسرائيل، مستهدفاً “خيم إقامة ضباط وجنود الكتيبة، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من أفراد الكتيبة”، وذلك في رد على “الاغتيال الذي قام به العدو الاسرائيلي” في محيط بلدة قانا جنوب لبنان.
وبعد الظهر، أعلن الحزب استهدافه “قاعدة تسنوبار اللوجيستية في الجولان المحتلّ بـ50 صاروخ كاتيوشا”، في رد منه “على اعتداء العدو الاسرائيلي الذي طال قرية النجارية وأدى الى استشهاد مدنيين”.
وفي إسرائيل، أعلن أدرعي رصد إطلاق نحو 75 قذيفة صاروخية من لبنان نحو إسرائيل، مشيراً إلى رصد منصة إطلاق تابعة لـ”حزب الله” في منطقة يارون بجنوب لبنان كانت جاهزة لإطلاق صواريخ، وقصفت طائرة حربية المنصة.
إلى ذلك، نقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم أنه “استناداً إلى صور من موقع عسكري لحزب الله هاجمه الجيش الإسرائيلي يمكن رؤية جزء من صاروخ أرض-جو إيراني، وهذا هو التوثيق الأول لوجود مثل هذا الصاروخ على الأراضي اللبنانية، الذي من المحتمل أن يكون قد أصيب في هجوم إسرائيلي أو سقط بعد إطلاقه”. وقال خبير الصواريخ تال عنبار للهيئة إن إيران نقلت إلى “حزب الله” وسائل تعتبر متقدمة لنظام الدفاع الجوي.