اتفاق الطائف تعرّض للخيانة والتخلي… والحلّ بالتطبيق!

هيام طوق
هيام طوق

أكثر من ثلاثة عقود مرت على اتفاق الطائف أو ما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني، والذي أنهى حرباً أهلية استمرت لأكثر من 15 سنة، وذلك بوساطة سعودية إذ وقع الاتفاق 62 نائباً لبنانياً من 73 في 30 أيلول 1989 في مدينة الطائف، وأقرّ بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول 1989 حيث اضطلع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بدور هام في الاتفاق الذي يستمد منه اللبنانيون وفاقهم الوطني منذ ذلك الوقت.

وحظي اتفاق الطائف بدعم إقليمي ودولي بارز، وجاء نتيجة مناخ إقليمي ودولي مواتٍ، وأقرّ مضمونه مجلس الأمن الدولي في بيانيه المؤرّخين في 7/11/1989 و22/11/1989، واللذين أكّد فيهما دعمه لبنود هذا الاتفاق كافة الذي نجح في “تسوية للأزمة اللبنانية بكلّ جوانبها مع ضمان سيادة لبنان الكاملة واستقلاله وسلامة أراضيه والوحدة الوطنية فيه”. كذلك، حظيَ الاتفاق بموافقة ودعم المجلس الأوروبي المعلن في 9/12/1989 والذي كرّر تأكيده على تشبثه باتفاق الطائف، وعبّر عن “اقتناعه بعدم وجود بديل وذلك في الظروف الحالية للعملية التي يرتئيها الاتفاق من أجل تحقيق الوفاق الوطني والسلام”.

وبعيداً من السجال بين اللبنانيين الذين ينقسمون بين مؤيدين لاتفاق الطائف والمطالبة بتطبيقه حرفياً، وبين من يعتبرون أن مفعوله انتهى بعد فترة قصيرة على توقيعه لأنه كان يتناسب مع لحظة سياسية معينة، يقول الرئيس حسين الحسيني (الذي يوصف بأنه أبو الطائف)، في حوار صحافي، ان هناك خمسة بنود أساسية لم تطبق من اتفاق الطائف: 1 – وضع قانون انتخاب جديد على أساس النسبية مع اعادة تقسيم المحافظات، 2 – نقل السلطة من رئيس الجمهورية الشخص إلى مجلس الوزراء المؤسسة التي تنعقد برئاسة رئيس الجمهورية ساعة يشاء، وله في النظام اللبناني صلاحيات وسلطات كابحة عديدة تضمن حسن سير العمل في مؤسسات الدولة، مع الإشارة الى ان الدستور لم ينقل الصلاحيات من رئيس الجمهورية الشخص إلى رئيس مجلس الوزراء الشخص بل إلى مجلس الوزراء المؤسسة، 3 – قانون السلطة القضائية المستقلة المقرَّرة في الدستور حيث يقوم النظام على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، 4 – قانون الدفاع الوطني وفقاً لأحكام الدستور الذي ينص على أن رئيس الجمهورية يرأس مجلس الدفاع الأعلى، أي إنه أصبح مؤسسة دستورية وفقاً للدستور ومن الواجب وضع هذا القانون وتبيان صلاحياته ووضع نظامه الداخلي، 5 – خطة التنمية الشاملة التي وضعها الدستور في مقدمته وفي الميثاق الوطني إضافة الى بنود أخرى.

وعن البنود التي لم تطبّق في اتفاق الطائف، تحدث “لبنان الكبير” مع عدد من المعنيين من مختلف الأطراف الذين أكدوا انه لم يُطبّق الاتفاق بالشكل المطلوب، وهو لا يحتاج الى تعديل أو اعادة نظر انما نية وإرادة في التنفيذ، ومن يعتبر ان العلة في مضمونه يكون يهرب الى المجهول والسلبية. 

الحجار: بنود لم تطبّق وأخرى بشكل مجتزأ

أشار عضو ” كتلة المستقبل” النائب محمد الحجار الى ان “هناك 3 بنود أساسية لم تطبق في اتفاق الطائف: اللامركزية الادارية، والبند المتعلّق بانتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني غير طائفي يستحدث مجلساً للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، وإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، لافتاً الى ان هناك العديد من البنود التي تم تطبيقها إما بشكل مجتزأ أو بشكل سيئ كقانون الانتخاب وصلاحيات رئيس الجمهورية في تأليف الحكومات، وغيرها الكثير”.

رزق: الطائف تعرض لخيانة وتخلٍ

لم يشأ الوزير والنائب السابق وعضو لجنة صياغة اتفاق الطائف إدمون رزق، الدخول في تفاصيل البنود التي لم تطبق في الاتفاق لأن بالنسبة له المسألة في النية والارادة المفقودتين في التطبيق بسبب وجود حكام غير مؤهلين.

واعتبر انه “لم يطبق شيء من اتفاق الطائف لا نصاً ولا روحاً، وتعرض لخيانة وتخلٍ. الطائف كناية عن وثيقة وفاق وطني فيها روحية الوحدة الوطنية والتوافق، وهي نموذج حضاري لعيش مشترك بين متعددي الاديان، وهذه صيغة ليست موجودة في الشرق. انها صيغة عيش مشترك متكافئ بين مواطنين متساوين، مشدداً على ان ما حصل إخلال بالمبادئ الاساسية والتأسيسية للطائف. لدينا دستور مكتمل متكامل لا يحتاج لا الى اعادة نظر ولا الى تعديل انما يحتاج الى تطبيق، وهذا يحتاج الى رجال مؤهلين، وهي مسؤولية الشعب في اختيار القيادات ذات أهلية مزدوجة: أهلية أخلاقية وطنية بالدرجة الاولى وأهلية معرفية، وهذا مفقود على مستوى الدولة”.

ورأى أن “الخلل الاول يكمن في غياب التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب والاجيال اذ ان القوانين الانتخابية التي وضعت تباعاً لم تؤمن التمثيل الصحيح، ولا تمثل روحية اتفاق الطائف التي كانت تصر وتلح وتشدد على التمثيل الصحيح”.

وعن إلغاء الطائفية السياسية، أوضح رزق انه “كان من المفروض أن تُنشأ هيئة وطنية تضم سياسيين ورجال معرفة لتضع برنامجا زمنيا ومناهج تعليمية تربوية للعبور من المذهبية والطائفية الى المواطنة. لم تُنشأ هذه الهيئة التي كان من المفترض ان ترى النور عند انتخاب أول مجلس نيابي على اساس المناصفة أي سنة 1992″، متسائلاً: “كيف يمكن ان نخرج من الطائفية والمذهبية وما زلنا نعلّم في المدارس المذهبية والطائفية والتي هي أساس وجود الاحزاب. انه نوع من اشهار للطائفية والمذهبية والمتاجرة فيهما في السياسة، وهذا عائق اساسي في وجه تطبيق الطائف”.

وشدد رزق على انه “ما من حل لعودة لبنان الواحد وطناً كريماً لجميع أبنائه الا من خلال تطبيق الطائف الذي يحتاج الى رجال دولة غير موجودين اليوم، معتبرا ان كل من يطالب بتعديل الطائف يكون يهرب من الواقع. اتفاق الطائف متكامل ولا بديل منه. انه صمام أمان، وكل تفكير بالتعديل والتبديل هو هروب الى المجهول والى السلبية. لسنا بحاجة الى اتفاقيات جديدة انما بحاجة الى تطبيق الاتفاقيات الموجودة وتطبيق الدستور الذي ليس بحاجة لأي تعديل. كل تلاعب اليوم بالدستور عملية خيانية للصيغة اللبنانية التي لا امكان لاعادة احيائها الا من خلال ضمان العيش المشترك ولا ضمان للعيش المشترك الا من خلال اتفاق الطائف”.

وختم رزق مؤكداً انه يؤيد كل ما يقوله الرئيس الحسيني في شأن الطائف، لكنه يرى ان هناك مواقف شرف والتزامات لم تُتخذ، وذلك مباشرة بعد الطائف بسبب الهيمنة من جهة وفقدان التمثيل الصحيح للشعب من جهة ثانية”. 

علوية: ألم تنتهِ المرحلة الانتقالية لإلغاء الطائفية السياسية؟

وعدّد الباحث القانوني صادق علوية أبرز بنود اتفاق الطائف التي لم تطبّق من دون الدخول بالتفاصيل، مشيراً الى ان اتفاق الطائف مؤلف من 4 عناوين أساسية: “في بند المبادئ العامة والاصلاحات، النظام الاقتصادي الحر لم يُطبّق لناحية الحصرية والاحتكار والامتيازات. أما في ما يتعلق بالاصلاحات السياسية، فإن القوانين الانتخابية لم تأت على اساس المحاصصة، واستحداث مجلس الشيوخ مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني، فلم ينتخب مجلس نواب وطني لاطائفي، وبالتالي، لا يزال معلقا استحداث مجلس الشيوخ”.

وتابع: “في ما يتعلق بإلغاء الطائفية السياسية فإن نص الطائف يتحدث عن مرحلة انتقالية، ألم تنتهِ بعد المرحلة الانتقالية منذ العام 1989؟ الطائف يتحدث في المرحلة الانتقالية عن إلغاء الطائفية وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية، وبالتالي، نحن ما زلنا نعيّن أبسط موظف، إذ يتم التدخل على اساس الطائفية السياسية وكأن الفقرة غير موجودة”.

وختم: “كما ان الاصلاحات واللامركزية الادارية الموسعة، والدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية، وتوسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين، كلها أمور لم تنفذ كما لم يتم اعتماد خطة انمائية شاملة للبلاد الا جزئيا في بعض البلديات، والحكومات المتعاقبة لا تستشر المجلس الاجتماعي الاقتصادي إلا نادراً”.

شارك المقال