“المثالثة”… معارك سياسية واهية لمكتسبات إضافية

هيام طوق
هيام طوق

لم يأتِ مؤتمر اتفاق الطائف الذي انعقد في السعودية وأقرت مقرراته بقانون في المجلس النيابي اللبناني في مثل هذه الفترة من السنة أي بين أيلول وتشرين الاول، على قدر طموحات البعض في تحقيق المزيد من المكاسب على الرغم من تأكيد أعضاء لجنة صياغة الاتفاق من مختلف الطوائف أنه وثيقة وفاق وطني ونموذج حضاري لعيش مشترك بين متعددي الأديان، إذ انه عند كل استحقاق أو تعثّر في الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو في تشكيل حكومة، تعلو أصوات هؤلاء المطالبة بـ”المثالثة” خصوصاً بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005 حين رأى فريق ما يعرف بـ”8 آذار”، فرصةً للانقضاض على الطائف لإعادة مكتسبات صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي التي برأيهم فرغت من مضمونها، إلى جانب أصوات داخل الطائفة الشيعية نادت بالذهاب الى مؤتمر تأسيسي يهدف الى تعديل الطائف الذي كرّس مبدأ المناصفة إلى نظام المثالثة في الحكم.

وبحسب مصادر مطلعة لـ”لبنان الكبير” فإن من تداعيات “المثالثة” فرض وقائع ديموغرافية ونسف المناصفة واسقاط ما يعرف بالديموقراطية التوافقية لصالح ديموقراطية تقوم على الأكثرية، وأن خطورة الأمر قد تعيد لبنان إلى مربع حرب أهلية مع الاشارة الى أنّ هناك تطبيقاً لها بشكل مبطن من خلال الممارسة ومحاولة تكريس أعراف جديدة كالتمسك بوزارة المال لان توقيع الوزير يكون الرابع في السلطة التنفيذية اضافة الى بعض المواقع الاخرى تسعى الطائفة الشيعية من خلالها لتكريس حصة في السلطة التنفيذية.

“المثالثة” التي تعتبر مطلباً مبطّناً لـ”حزب الله”، تعني تقسيم صناعة القرار بين السنة والشيعة والمسيحيين، بدلاً من المناصفة الحالية بين المسلمين والمسيحيين، تعارضها أغلب المكونات اللبنانية التي تنتمي الى 18 طائفة مع الاشارة الى ان الرئيس الفرنسي خلال زيارته لبنان السنة الماضية قد تحدث مع المسؤولين اللبنانيين عن عقد اجتماعي جديد، واستبدال النظام الحالي بـ”المثالثة” بحسب معلومات صحافية، والتي لفتت الى ان هذه الخطوة تأتي لطمأنة الطائفة الشيعية، مقابل تسليم سلاحها إلى الدولة إلا ان هذا الطرح لاقى اعتراضاً من الاطراف باستثناء الثنائي الشيعي الذي رحب به باعتباره خطوة تحقق التوازن بحسب وصفهم.

وفي وقت قال فيه السيد حسن نصرالله في خطاب بمناسبة ذكرى عاشوراء: “سمعنا دعوة من الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة للبنان إلى عقد سياسي جديد. نحن منفتحون على أي نقاش هادف في هذا المجال، لكن لدينا شرط أن يكون هذا النقاش وهذا الحوار اللبناني بإرادة ورضا مختلف الفئات اللبنانية”، اعترض البطريرك الماروني بشارة الراعي على الطرح الفرنسي، وظهر ذلك جلياً في صرخة أطلقها حين قال: “من أسباب الأزمة السياسية عدم تطبيق الدستور واتفاق الطائف، مما جعل المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، في حين يُحكى في السر والعلن عن مؤتمر تأسيسي ومثالثة في الحكم تضرب العيش المشترك”.

والسؤال الذي يُطرح اليوم هل الظروف مواتية لعقد سياسي جديد أو المطالبة بالمثالثة بدلاً من المناصفة التي كرّسها الطائف والتي التزم بها الرئيس الشهيد رفيق الحريري مطمئناً المسيحيين من بكركي حين أدلى بتصريح قال فيه عبارته الشهيرة: “وقّفنا العد، والمسيحيون نصف الدولة بمعزل عن الاعداد”، كما التزم بها نجله الرئيس سعد الحريري الذي كرر موقف والده “وقفنا العد، فليس لسعد رفيق الحريري تهمة الاعتداء على حقوق المسيحيين”.

ماذا لو طالبت الطوائف بالمرابعة والمخامسة؟

لفت عضو ​كتلة “اللقاء الديموقراطي”​ النائب ​بلال عبدالله الى انه “لم يسمع أحدا طالب بالمثالثة أو بتغيير الطائف، والكل يقول انه متمسك بالطائف، لكن كانت هناك اشارات لنظام تأسيسي على لسان “حزب الله” وعلى لسان “التيار الوطني الحر”، مشيرا الى ان الطائف موجود كدستور وأي لعب بالدستور دونه عقبات ومحاذير. نحن حزب علماني ومع انطلاق دولة مدنية علمانية، وهذا الطرح دونه عقبات أيضاً، ويجب أن نكون واقعيين. اليوم أمامنا اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب، وفي ظل العواصف المحلية والاقليمية والدولية، لا يجوز التحدث عن تعديل دستور. انها مخاطرة”.

وأكد ان “موقفنا نحن والقوى الحريصة على السلم الأهلي الداخلي، هو بضرورة تطبيق الطائف”، متسائلاً: “ماذا لو طالبت الطوائف والمذاهب الأخرى بالمرابعة والمخامسة والمسادسة، هل يمكن منعها؟ العالم يطوّر أنظمته الى الامام وليس الى الوراء. واذا اضطررنا للمناصفة لايقاف الحرب هذا لا يعني ان نعود الى الوراء بل التوجه نحو الامام وصولا الى الغاء المذهبية والطائفية. ولن يقوم البلد اذا لم يفصل الدين عن الدولة”.

البحث عن سلطة إضافية أخطر من المثالثة

وقال الوزير والنائب السابق أحمد فتفت: “لم أسمع فعلياً طرح موضوع المثالثة بشكل علني الا من بعض التسريبات الاعلامية مع العلم ان السيد نصرالله تحدث في وقت من الاوقات عن مؤتمر تأسيسي، لكن برأيي لا يبحث عن المثالثة انما عن سلطة اضافية نتيجة الخلل في التوازن الحالي بسبب السلاح والاستقواء بإيران، وتالياً أن الموضوع أخطر من المثالثة، يتمثل بوجود لبنان وسيادته واستقلاله. لبنان اليوم بلد محتل. كيف نتحدث عن تغيير نظام قبل استرجاع استقلال لبنان وسيادته الحقيقية”؟

واعتبر ان “اثارة طروحات كهذه تأتي في اطار المعارك السياسية اذ ان البعض يقوم بعمليات تخويف ليسجل نقاطا أو للحصول على مكتسبات سياسية معينة، وهذا المنطق الذي تعامل به أطراف لبنانيون مع بعضهم البعض، مشدداً على ان ليس هناك حقوقا للمسيحيين وحقوقاً للمسلمين انما حقوق للبنانيين مهدورة على المستويات كافة”.

وأكد ان “أي مطالبة بتغيير النظام بشكل جذري في الوقت الحالي هو خطر كبير على البلد لأن هناك خللاً كبيراً في الداخل اللبناني. لا يمكن تعديل الدستور الا في ظل أوضاع هادئة ومتوازنة. الطائف جاء بعد حرب كلفت 200 ألف قتيل كي توصلنا الى حل متوازن بعنوان العيش المشترك. الميثاقية الحقيقية ببعدها السياسي الحقيقي أوجدها الطائف كي يؤمن الضمانات لكل الاطراف. أي مسّ بالمناصفة في الوقت الحالي خطير خصوصاً اننا لم نطبق الطائف بالكامل والذي يتحدث عن الغاء الطائفية السياسية واعتماد الكفاءة وصولاً الى عيش مشترك حقيقي”. 

الكلام على المثالثة للزكزكة

ورأى الوزير السابق مروان شربل ان هدف الكلام عن المثالثة “للزكزكة. انه كلام بكلام، معتبراً انه اذا كان لا بد من تغيير للنظام السياسي، يجب أن يكون الكل متساوين بالحقوق والواجبات، وما من فئة أقوى من أخرى بغض النظر عن العدد”.

وشدّد على ان “أي تغيير لا يمكن تحقيقه الا ضمن توافق كل اللبنانيين على البارد، وبتغطية عربية ودولية أو نعود الى حرب أهلية، وهذا غير وارد اليوم. فليطبق الطائف، واذا كان هناك من بنود يجب تعديلها فلتعدل بالحوار والتوافق، متسائلاً لماذا المطالبة بالمثالثة طالما ان الكل وافق على المناصفة في اتفاق الطائف، والرئيس حسين الحسيني كان من أبرز المشاركين في الطائف”.

المثالثة تعني العودة إلى الطائفية

اعتبر الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر ان “المطالبة اليوم بالمثالثة تعني العودة الى الطائفية التي هي خربت البلد والتي يمكن أن تردنا الى حرب أهلية. هل نريد زيادة الشرخ”؟

وقال: “فلنبدأ أولاً بتطبيق دستورنا لأنه من أفضل الدساتير، لكن يد الانسان هي التي شوهته. يجب أن نفهم فلسفة اتفاق الطائف الذي لا يمكن تعديله الا في حالين: بعد عشر سنوات من الاستقرار للتعديل على البارد أو بعد 10 سنوات من اندلاع حرب أهلية. لنبدأ بتطبيق بنود المناصفة والدولة المدنية التي من شأنها في ما بعد الغاء المناصفة اذ إنه في دولة المواطنة ينتفي الكلام على دولة مناصفة أو مثالثة”.

وختم متسائلاً: “هل يجوز للعددية ان تلغي المناصفة؟”.

شارك المقال