بين الهرطقات القانونية والتغيير… البلد في مأزق “البيطار”!

هيام طوق
هيام طوق

لن يكون ما قبل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة كما بعدها خصوصاً لما ترتب عليها من مضاعفات خطيرة كادت تفجرها وتفجر البلد مما استدعى عقد لقاءات وتشاور بين الأطراف للوصول إلى تسوية في ما خص القاضي طارق البيطار ترضي الجميع، إذ إن الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وبعض القوى السياسية يسعون لطرح الحلول التي تتم دراستها مع تأكيد ميقاتي ان “الحكومة حريصة على عدم التدخل في اي ملف يخص القضاء، وأن على السلطة القضائية ان تتخذ ما تراه مناسباً من اجراءات”.

ومن الحلول المطروحة ما سُرّب عبر الاعلام عن عزم ميقاتي على تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر بصفته النيابية لإنشاء هيئة اتهامية عدلية جديدة تختص فقط بالنظر في قرارات وإجراءات وتوقيفات المحقق العدلي باستثناء القرار الاتهامي الذي يصدره للوصول إلى المحاكمات العلنية أمام المجلس العدلي. ولاقى هذا الطرح ليونة من “حزب الله”، فيما رفضه الرئيس نبيه بري اذ أشار عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم أن هذا الأمر “عار من الصحة جملة وتفصيلًا، لأنه يتنافى مع الأصول الدستورية”.

وأكد عضو “كتلة الوسط المستقل” النائب علي درويش في حديث لـ”لبنان الكبير” ان الاقتراحات القضائية تبقى قضائية بحتة ولا نتدخل بعمل القضاء الواجب عليه ايجاد الحلول القانونية بالنسبة إلى القاضي البيطار. أما على مستوى الحكومة، فلفت الى أن هناك اتصالات على أعلى المستويات لايجاد صيغة توافقية ومتوازنة لإعادة اجتماع الحكومة وبحث المواضيع المعيشية.

وفيما يُحكى عن الكثير من السيناريوات للخروج من مأزق كف يد البيطار عن التحقيق الذي يطالب به “حزب الله” و”حركة أمل” و”المردة”، أشار مصدر مقرب من الثنائي الشيعي لـ “لبنان الكبير” الى ان “الحركة والحزب باتا، بعد أحداث الطيونة، أكثر إصراراً على موقفهما لجهة كف يد القاضي البيطار. الموقف حاسم وواضح: لا حل تحت سقف تنحية البيطار، وأي اقتراح متداول، والبيطار لا يزال في موقعه، فإن الحل غير مقبول. إمّا كف يد البيطار وإمّا الخيارات السياسية والقانونية مفتوحة على كل الاحتمالات”. وشدد المصدر على انه وفق تطور الأوضاع، واقتراح الحلول، يبنى على الشيء مقتضاه.

وتحدث عن حملة يقوم بها “التيار الوطني الحر” ضد الحركة، وهي غير صحيحة اذ يدّعي أن هناك تنسيقاً بين “الحركة” و”القوات”. ونرى ان الحملة تهدف الى شدّ العصب المسيحي، وهي مشبوهة بتوقيتها اذ إن البلد على كف عفريت وليس الظرف مناسباً للمعارك السياسية.

وفي السياق عينه، يجتمع مجلس القضاء الأعلى اليوم مع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، للاستماع إلى رأيه حول مسار التحقيق وسط الاحاديث عن طروحات عدة في هذا الإطار كتشكيل الهيئة الإتهامية التي ستتولى النظر بإجراءات وقرارات البيطار أو الاحتكام إلى التفتيش القضائي ليستمع إلى البيطار ليس كمدعى عليه، لكن ليطّلع على الإجراءات التي يتخذها إذا كانت تتوافق مع القوانين أم لا، أو اللجوء إلى مجلس القضاء الأعلى لينظر في مسار الدعوى وليس التدخل في متن التحقيقات؟

الا أن مصدراً قضائياً مطلعاً، أكد لـ”لبنان الكبير” ان كل ما يجري تداوله في الاعلام من طروحات ليس دقيقاً، والبعض منها ليس دستورياً، وبالتالي المطلوب توخي الحذر والدقة في التعاطي مع مسألة بهذه الاهمية، وهذا الأمر واجب على الجميع، والاطلاع على الجوانب القانونية من المعنيين بالملف والدستوريين العارفين.

وفي هذا الإطار، استوضح “لبنان الكبير” من رئيس مركز “ليبيرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور قانونية القرارات التي يمكن أن يتخذها مجلس القضاء الاعلى، مشيرا الى انه “كما عودنا الساسة اللبنانيون، ها هو مجلس القضاء الاعلى يجتمع للتباحث في شأن مستقبل القاضي البيطار. فهي من الناحية القانونية، هرطقة وتخريجة على الطريقة اللبنانية لأن قانون أصول المحاكمات المدنية قد تحدّث عن موضوع رد القضاة سواء لأي سبب أو للارتياب المشروع وأعطى الصلاحية لمحاكم الاستئناف ومحاكم التمييز. وعندما تبت تلك المحاكم بموضوع تغيير القاضي يكون قرارها نهائيا”.

وأضاف: “تقدم وكلاء المتهمين بهذه القضية بالطعون اللازمة، وهذا اعتراف منهم بأن المحاكم المختصة التي تحدثنا عنها هي التي تبت بموضوع القضاة الا ان تلك المحاكم ردت جميع الطلبات”. وتابع: “عطفا على الاحداث الدامية التي ارتكبت اخيراً وامام اصرار الثنائي الشيعي على تغيير القاضي البيطار واشتراطهم عدم المشاركة في جلسة مجلس الوزراء ان لم يبت هذا البند بالإضافة الى البند المتعلق بمطلقي النار، ها هم اللبنانيون، ساسة وقانونيين وقضاة، يتبعون هرطقة جديدة عنوانها ان يجتمع مجلس القضاء الاعلى ليبت موضوع القاضي البيطار وهذا الأمر مناف للقانون. من جهة أولى، لأن أصول المحاكمات المدنية قد حددت المرجع الصالح للبت برد أو تغيير القضاة. من جهة ثانية، لأن مجلس القضاء الاعلى ليس من صلاحياته تغيير أو رد قاض. ومن جهة ثالثة، لأن الجهة التي عينت المحقق العدلي هي مجلس الوزراء وذلك سندا لأصول المحاكمات الجزائية”.

وشدد على أن “تغيير قاض يعود الى محاكم الاستئناف المدنية ومحاكم التمييز المدنية، مشيرا الى ان مجلس الوزراء لا يحق له تغيير القاضي البيطار انما يحق له تعيين محقق عدلي. المحكمة المختصة هي التي بتّت كفّ يد القاضي صوان اما بالنسبة للقاضي البيطار، فإن المحاكم المختصة وسنداً للمواد من 120 الى 130 أصول محاكمات مدنية، هي التي تحدثت عن أصول تغيير القاضي والمرجع الصالح، ولا يوجد بينها لا مجلس الوزراء ولا مجلس القضاء الاعلى”.

ورأى زكور ان “المخرج اما ان يبتّ القضية مجلس الوزراء ويغيّر البيطار اما يبتها مجلس القضاء الأعلى ويغيّر البيطار، والحالتان غير قانونيتين، وبالتالي هرطقة على الطريقة اللبنانية. وفي حال رفض القاضي البيطار الاستجابة لطلب التغيير، سنكون أمام معضلة حقيقية، لكن أستبعد عدم استجابته لأن ذلك يهدد مستقبله المهني”.

شارك المقال