خريطة طريق الأزمة بين الضيق والخوازيق

هيام طوق
هيام طوق

يتأرجح الوضع الحالي على خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً أو ما يمكن ترجمته على أرض الواقع وفق معادلتين متناقضتين لن يتفقا أبداً: “قبع” القاضي طارق البيطار للعودة الى جلسات مجلس الوزراء، وإقالة وزير الاعلام جورج قرداحي للانطلاق بخريطة طريق تعيد إنعاش العلاقة بين لبنان ودول الخليج عامة والسعودية بشكل خاص.

معادلتان تدوران في حلقة مفرغة على الرغم من النقاشات والمشاورات المكثفة بين كل الأطراف، إلا أنه حتى الساعة يمكن وصف ما يجري بلغة الأمثال الشعبية “حركة بلا بركة” لا بل كل طرف يتشبث أكثر وأكثر في مواقفه من دون إبداء أي ليونة أو تنازل لوضع الأمور على سكة المعالجة.

ومن يراقب التصريحات في الساعات الماضية، يستنتج ان خريطة الطريق التي حملها معه الرئيس نجيب ميقاتي من اسكوتلندا تصطدم بمطبات سياسية قوية تزعزعها من أساسها، اذ بعد أن وجه النداء الاخير للوزير قرداحي بتحكيم ضميره واتخاذ الموقف الذي ينبغي اتخاذه، وردّ الاخير بطريقة غير مباشرة بأنه لن يستقيل إضافة الى المواقف التي عبرت عنها كتلة “الوفاء للمقاومة” وما قاله نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الذي طلب من المملكة العربية السعودية الاعتذار والتراجع عن إجراءاتها قبل استقالة قرداحي، كل ذلك ينذر بأن الرياح اللبنانية تجري بما لا تشتهيه سفن الرئيس ميقاتي حيث تحدثت معلومات عن إمكان استقالته أو اعتكافه في حال لم تلقَ طروحاته آذاناً صاغية إلا ان مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي أكدت لـ”لبنان الكبير” ان موضوع الاستقالة أو الاعتكاف ليس مطروحاً حتى اللحظة لأن الرئيس يدرك تداعيات الفراغ على المستوى الحكومي وبالتالي انزلاق لبنان الى منزلقات خطيرة.

ولفتت المصادر الى ان “الرئيس ميقاتي طرح موضوع استقالة الوزير قرداحي لأنه يعتبرها تنزع فتيل الازمة، وعلى الافرقاء الآخرين المعنيين الذين هم جزء من الحكومة أن يتحملوا مسؤولياتهم وملاقاة الرئيس ميقاتي في منتصف الطريق. ووضع رئيس الحكومة، رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي في هذه الأجواء”.

وشددت المصادر على ان “الرئيس ميقاتي يطرح حلاً متوازناً داخلياً لأنه لا يريد صداماً كما انه حريص على علاقتنا مع دول الخليج التي هي أساسية. ويجب أن نرى بلورة لهذه الطروحات خلال يومين أو ثلاثة لأنه بات من الضروري الخروج من هذه الأزمة، مشيرة الى ان ميقاتي ليس وحده مسؤولاً عن الواقع الذي نعيشه، وعلى الافرقاء الآخرين ان يتحملوا مسؤولياتهم أيضا خصوصاً رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي. واذا لم يصل الرئيس ميقاتي الى خواتيم سعيدة في طروحاته، فعلى الافرقاء الآخرين الذين يعارضون الطروحات ويطلقون مواقف معينة أن يطرحوا حلولا”.

وتحدثت المصادر عن وسطاء اميركيين وفرنسيين سيساعدوننا في تدوير الزوايا مع دول الخليج ويلعبون دوراً مع السعودية لخفض منسوب التوتر، وربما نشهد بلورة لهذه الوساطة خلال أيام قليلة.

وأكدت المصادر انه ليس هناك خطة “ب” لدى الرئيس ميقاتي تكون بمثابة الاعلان عن الاستقالة أو الاعتكاف خلال الاسبوع المقبل وفق ما ورد في بعض الصحف لأنه سيستمر في محاولته للتخفيف من وطأة الأزمة قدر الإمكان، معولاً على وعي كل الأطراف، وهو لا يريد إجبار أحد على الاستقالة، لكن على الأفرقاء والمقربين من الوزير قرداحي أن يكونوا أكثر قناعة في ايجاد حل للمشكلة وليس اللجوء الى التعقيد.

وبين من يقول ان الأمور متجهة نحو التأزم ان كان على الصعيد القضائي أو على صعيد الأزمة مع الخليج وان هذه المرحلة يمكن اطلاق عليها مرحلة الـ”راوح مكانك” الى حين تبلور التطورات والتحولات الإقليمية، وبين من يعتبر ان الوساطات الدولية مع السعودية والمحادثات الداخلية ربما تؤدي الى حلحلة ما على صعيد الأزمة مع دول الخليج خصوصا ان هناك توافقا بين رئيسي الجمهورية والحكومة حول استقالة الوزير قرداحي إلا أن مسار الامور بانتظار موقف “الثنائي الشيعي” الذي أشارت مصادره لـ”لبنان الكبير” إلى ان “الوزير قرداحي حرّ في تحديد خياراته ويعود له حسم موضوع بقائه في الحكومة او استقالته منها. كما يرفض “الثّنائي اسلوب الضغط لإجبار قرداحي على الاستقالة كذلك لن يمارس الضغط عليه ليبقى، فالمسألة تتعلق بقناعاته الشخصية وتقديره للموقف، علمًا أنّ الأزمة تخطّت مسألة استقالة الوزير كما صرّح وزير الخارجيّة السّعودي الأحد الماضي”.

وعن مشاركة وزراء “الثّنائي” في جلسات مجلس الوزراء، ذكّر الكاتب والمحلل السياسي حسن الدّر في حديث لـ”لبنان الكبير” أن “وزراء الثّنائي قاطعوا الجلسات لحين ايجاد مخرج قانوني لتصويب عمل القاضي طارق البيطار، ولا يمكن القفز فوق هذه المسألة المبدئية لأي اعتبار كان. والرئيس ميقاتي يتجنّب الدّعوة الى جلسة حكومية قبل تبلور صيغة لحل الازمة الديبلوماسية مع بعض دول الخليج العربي، وصيغة الحلّ مرتبطة بموافقة المملكة العربية السعودية قبل موافقة الاطراف اللبنانيين”.

وعمّا يمكن أن يحمله الاسبوع المقبل من تطورات، قال الدّر: “نحن في خضمّ أزمات متلاحقة وقبل توقع ما يمكن أن يحمله الاسبوع الطالع من تطورات في موضوع الوزير قرداحي قد تنفجر أزمة جديدة تُنسي اللبنانيين تصريحات وزير الاعلام وما لحقها من ردود فعل لبعض الدول الخليجية”.

وفي انتظار بلورة المحادثات والطروحات، ووسط الأزمات المتنوعة التي يعيشها اللبنانيون، يبقى السؤال: هل يصح المثل “اشتدي يا أزمة تنفرجي” أو انه مكتوب لهذا البلد أن يعيش على قاعدة “ما بعد الضيق الا الخوازيق؟”.

شارك المقال