“حزب الله” ربط لبنان بالنزاعات من مأرب إلى فيينا!

جورج حايك
جورج حايك

ليس سراً أنّ لبنان في قاموس “حزب الله” ليس إلا ساحة من ساحات النزاع الكبير الذي تقوده إيران ضدّ الخليج والمعسكر الغربي، وبالتالي كل ما يحصل في لبنان من تعطيل للحكومة واستحقاقات الانتخابات النيابية والرئاسية، إلى إخراج السعوديين والخليجيين منه وما إلى ذلك، ليست سوى تفاصيل تستخدم كأوراق في مهب المواجهات الاقليمية، لأنّ المؤسسات سقطت في يد “الحزب” وهو يتحكّم بمفاصلها كما يشاء. هذا المشروع الكبير الذي تحدّث عنه الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عام 1988، ضمن محاضرة له مجيباً عن سؤال حول شكل النظام الذي يرغب فيه “حزب الله” في لبنان، قائلاً: “مشروعنا، الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه، الإمام الخميني“.

يحاول نصرالله أن يقلّل من شأن هذا الخطاب الشهير، ويضعه في إطار ظروف وأجواء معينة، لكن لأداء “الحزب” وكل ما يفعله على أرض الواقع، يستحضر هذا الخطاب ويؤكده. لذلك، الوضع الذي يعيشه اللبنانيون اليوم مريب جداً، والضغط السياسي الذي يمارسه “الحزب” على المملكة العربية السعودية في لبنان مرتبط بالنقاط الساخنة إقليمياً، والنقطة الساخنة الأولى هي معركة مأرب، فهذه المدينة اليمنيّة التي كثر حولها الجدل بأنها سقطت في يد الحوثيين حلفاء “الحزب”، لا تزال تقاوم، وإذا افترضنا أنّ التحالف العربي الذي تقوده السعودية في مأرب يقوم بالتصعيد، فهل من المنطقي أن يتشدّد “الحزب” في لبنان ويضغط باتجاه تشجيع الإساءة للخليج عموماً والسعودية خصوصاً، كما فعل الوزير جورج قرداحي؟ أين مصلحة لبنان والشعب اللبناني بذلك؟ فالتداعيات تبدو كبيرة من خلال إصابة الحكومة بأعطال في زمن الانهيار الاقتصادي في لبنان وحاجته إلى المساعدات الدولية والعربية، إلا أنّ حسابات “الحزب” تتأثر بما تحققه إيران وحلفاؤها في المنطقة، وكل شيء يُترجم، ويا للأسف، في لبنان.

لا تنفصل غزوة عين الرمانة عن شعور “الحزب” بفائض القوة، وانتصارات الحلفاء “الوهمية” في الإقليم جعلته يعتقد أنّ بعض المناطق ذات الرمزية المقاومة منذ أيام الحرب باتت سهلة عليه، ففاجأه أهالي عين الرمانة بوقوفهم العنفواني ضدّ سلاحه.

النقطة الساخنة الثانية التي يتأثر فيها “حزب الله” هي المفاوضات السعودية – الإيرانية التي استخدمت فيها إيران لبنان ورقةَ ضغط، فاشتدّ الخناق عليه وتم تدفيعه الثمن. وهناك علاقة ما بين الأزمة الديبلوماسية التي أثارها قرداحي مع دول الخليج، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية بتعثر هذه المفاوضات أيضاً. وقد سرّبت معلومات عن أنّ الرياض طالبت بوقف إطلاق النار في اليمن خلال اجتماعاتها مع مسؤولين إيرانيين في العراق، كخطوة حُسن نية لتتم المفاوضات بعيداً عن ضغط المواجهات الميدانية المسلّحة. وافقت إيران، لكن سرعان ما تم التصعيد العسكري في مأرب من الحوثيين. وعزت طهران السبب إلى أنّ القرار بيد “حزب الله” وعليهم التحدّث معه. وهذا ما لم يعجب القيادة السعودية التي تطالب بموقف واضح من السلطة اللبنانية والالتزام بالحياد والنأي بالنفس، ومنع مكوّنات محلية من التدخّل في شؤون دول عربية أخرى.

النقطة الساخنة الثالثة، هي عودة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في فيينا، فيما تسير إيران بخطى ثابتة نحو هدفها، مستغلة تراخي وديماغوجية “أولياء الأمور” في الدول الممسكة بخيوط لعبة الشطرنج الدولية، وهي تعرف أنّ الساحة اللبنانية ممسوكة من ربيبها “حزب الله”. ولا شك أنها تبحث عن ورقة لتلعب فيها على طاولة المفاوضات، حيث ترى في لبنان هذه الورقة، وخصوصاً أنه يقف عند مفترق طرق مصيري على أبواب انتخابات نيابية يصعب تقدير نتائجها مع التغييرات الجذرية التي طرأت على المشهد السياسي المحلي والإقليمي. لكن المؤكد الوحيد، أنّ تزامن هذا الاستحقاق مع الرياح الدولية المستجدة، يحمل في طياته تأثيراً متبادلاً: من خارج الحدود اللبنانية إلى داخلها وبالعكس، وربما على الحدود عينها أيضاً.

من جهته، يعوّل المجتمع الدولي وخصوصاً الأميركيين والفرنسيين على الانتخابات النيابية لتقليص نفوذ إيران في لبنان من خلال نزع الأكثرية من يد “حزب الله”. ولعل رياح مفاوضات فيينا ونجاحها أو تأثرها سيخيّم على الانتخابات، وهكذا يكون إجراء الانتخابات من عدمه مرتبطاً بثلاثة أمور أساسية: الأول يكمن في توقع النتائج بحيث إذا وجدت المنظومة، وركنها الأساسي “حزب الله”، نفسها في موقع الخاسر، لن تتوانى عن “تطيير” الانتخابات. والأمر الثاني يرتبط بالضغط الشعبي والدولي لإجراء هذا الاستحقاق الدستوري. أما الثالث فيتعلق بنسبة المشاركة المتوقّعة، وهنا العلاقة عكسية بين نسبة الاقتراع وحصول الانتخابات، إذ أنّ انخفاض نسبة المقترعين سيرفع من حظوظ أهل السلطة. ولا تغيب عن بال “حزب الله” نتائج الانتخابات العراقية التي لم تصبّ لمصلحة حلفائه هناك ومرجعيتهم الكبرى إيران.

النقطة الساخنة الرابعة التي تشغل بال المعسكر الإيراني و”حزب الله” هو التقارب الإسرائيلي – الروسي في سوريا، والأهداف غير المعلنة بالعمل على تحجيم الوجود الإيراني وميليشياته في سوريا، وهذا ما برز من خلال الغارات الجوية والضربات الصاروخية التي استهدفت المواقع الإيرانية هناك، مع صمت روسي وسوري. وبات الجميع يعرفون بأنّ موسكو سمحت لتل أبيب بحرّية التصرّف في الأجواء السورية، طالما أنها لا تعرّض قواتها للخطر، وهذا يبدو ترجمة لما اتفق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في لقائهما الأخير، وهو العمل على إخراج إيران من سوريا.

ومن البديهي أن ينعكس ذلك على “حزب الله”، ومن المتوقّع أن يؤدّي إلى عودة آلاف المقاتلين من سوريا إلى لبنان، فما هي الجبهات التي سيوزّعون عليها في لبنان وخصوصاً بعد تهديد نصرالله لـ”القوات اللبنانية” بأنّ هيكله العسكري يضم ما لا يقل على 100 ألف مقاتل بعد غزوة عين الرمانة؟ لكن تصعيد “حزب الله” واحتمال استخدام الورقة الأمنية في لبنان تعيقهما خطوط حمر دولية أهمها الموقف الروسي والرسائل المبطنة التي بعثها بوتين إلى “حزب الله”، مشدداً على أهمية الاستقرار وحل الخلافات بالحوار. لكن مرجعيات ديبلوماسية أكدت أنّ القيادة الروسية انزعجت بشدة من “غزوة” الحزب ومناصريه لشوارع عين الرمانة، ورأت فيها اعتداء واضحاً على مسيحيي لبنان. وكشفت أنّ روسيا نقلت غداة حوادث الطيونة، إلى قيادات “الحزب” في سوريا، رسالة قاسية وحازمة فحواها “نحن لم نتدخل في سوريا لإنقاذكم والسوريين من داعش، حتى تعتدوا أنتم على مسيحيي لبنان العزّل”، قبل أن يستكملها بوتين شخصياً في إطلالته التلفزيونية، قائلاً أنه مستعد ليرسل إلى المحقق العدلي في جريمة 4 آب، صُوراً جوية للمرفأ في ذلك اليوم. ويبدو أنّ هدفه في الواقع الضغط على “الحزب” وإنذاره بأنه جاهز لكشف كل “مواقعه” في المرفأ!

كل المؤسسات الرسمية والاستحقاقات الدستورية اللبنانية تحوّلت مجرد وسائل ضغط في مشروع إيران التوسعي الكبير، والخضوع لهذه الاستراتيجية سيزيد من عزلة لبنان الدولية والعربية، بل سيدمّر آخر مقوّمات وجوده، إذا لم تنشأ معارضة لبنانية تتمتّع باستراتيجية فعالة لمواجهة هذه الهيمنة التي أنهكت الشعب اللبناني بكل طوائفه وأطيافه.

شارك المقال