زمن اللاءات والفراغات… والبلد فصول روايات

هيام طوق
هيام طوق

هو زمن الآفاق المسدودة أو زمن العجائب المفقودة أو زمن اللاءات غير المعدودة في جمهورية السلبيات المنكوبة.

الآفاق مسدودة على المستويات كافة وما من بصيص نور يخرق الظلمة التي تلف البلد من أقصاه الى أقصاه حتى اللجوء الى الصلاة والتضرع الى الله بعجيبة سماوية لم تُجد نفعاً مع منظومة حاكمة متحكمة برقاب العباد وبزمام أمور البلاد، ولا يهمها لا البشر ولا الحجر حتى لو مات كل البشر وتفتّت كل الحجر.

إنه زمن اللاءات المتنقل من لا سلطة تنفيذية فاعلة الى لا دولة قائمة الى لا قضاء حاكم الى لا مؤسسات منتجة الى لا معيشة كريمة وصولاً الى التخوف من لا اجراء انتخابات نيابية، وبالتالي، يقع الفراغ التشريعي في حال لم تحصل الانتخابات في 15 أيّار المقبل أو قبل ذلك لأن ولاية المجلس النيابي الحالي تنتهي في 20 أيّار 2022 المُقبل إلا في حال لجأ المجلس النيابي إلى التمديد لنفسه. وإذا لم يُحدّد موعد نهائي في الفترة القريبة، فإنه لن يكون بالامكان تنظيم الانتخابات ضمن المهل الدستورية.

وبين من يعتبر ان الاستحقاق الدستوري قائم خصوصاً ان المجتمع الدولي يعول كثيرا عليه لتغيير المعادلة السياسية، يجزم مطلعون في حديث لـ”لبنان الكبير” ان هناك جهة تحاول استهداف الاستحقاق الدستوري بشتى الطرق وصولاً الى الفراغ على المستوى التشريعي ثم على المستوى الرئاسي حيث قبل الوصول الى هذه المرحلة سيعمد فريق رئيس الجمهورية الى تخريجة دستورية على الطريقة اللبنانية تخوله البقاء في القصر الجمهوري بحجة عدم تسليم البلد الى الفراغ وما له من تداعيات على المصلحة الوطنية. وما ألمح به رئيس الجمهورية في مقابلة صحافية عن انه لن يسلم البلد للفراغ بعد نهاية عهده خريف 2022 ليس سوى اعلان نيات مبيتة للسيناريو الذي يتم التخطيط له.

وفي وقت أكد عون أنه لن يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للاقتراع في 27 آذار المقبل، تبقى أسئلة كثيرة تراود اللبنانيين وتشكل هاجساً وتخوفاً من الايام المقبلة خصوصاً أن عدداً كبيراً من المطلعين والمسؤولين يرون اننا لسنا في مرحلة الحلحلة بل ان الأسوأ لم يأتِ بعد. ومن الأسئلة: ماذا لو لم يوقع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة؟ وكيف سيكون الوضع في حال ساد الفراغ على مستوى المجلس النيابي وعلى المستوى الرئاسي في ظل الحديث وبقوة عن امكان حصول هذا السيناريو؟

للإضاءة على الجوانب السياسية والقانونية لهذا السيناريو المطروح، تواصل “لبنان الكبير” مع الوزير والنائب السابق أحمد فتفت والخبير الدستوري والمحامي سعيد مالك اللذين أكدا ان الكلام عن الفراغ لا أساس دستورياً له، وان حصل سيناريو من هذا النوع نكون دخلنا فعليا في جهنم، ونكون نشهد عملية احتلال وانقلاب على الدولة وعلى الدستور. 

فتفت: بدعة الفراغ للاستمرار في السلطة

شدّد الوزير والنائب السابق أحمد فتفت على انه “في الدستور ما من شيء اسمه فراغ، وفي أسوأ الاحوال يكون هناك حكومة تصريف أعمال ولها الحق باتخاذ المبادرات كي لا تتعطل الحياة. كلمة فراغ غير موجودة في منطق الدستور. وبالتالي، يضعون احتمال عدم حصول الانتخابات النيابية أو تحصل انتخابات لكن لا تتألف الحكومة، فتتحول الى حكومة تصريف أعمال. كل ذلك يأتي في اطار بدعة الفراغ لمحاولة الاستمرار في السلطة، وهذا ضد المنطق الوطني، مشيرا الى ان بقاء رئيس الجمهورية في السلطة 6 سنوات خرب البلد، فهل يريد من خلال التمديد أن يدمره نهائيا؟”.

واعتبر فتفت ان “الفراغ والتعطيل سياستان متوازيتان قام بهما “حزب ال”له ابتداء من الـ2006 حين بدأ ممارسة التعطيل لمحاولة تطيير المحكمة الدولية ثم محاصرة السرايا ومن ثم 7 أيار. كلها تأتي ضمن المنطق عينه وهو المنطق التهديمي في وجه الدستور واستمرارية البلد”.

ورأى أن الكلام على عدم ترك البلد للفراغ “اعتداء فاضح على الدستور، ورئيس الجمهورية تنتهي ولايته في 30 تشرين الاول 2022 ثم بعدها اذا استمر في القصر الجمهوري نكون نشهد على عملية احتلال وانقلاب على الدولة وعلى الدستور. وهذا ليس له ارتباط بواقع الحياة السياسية اللبنانية. أما اذا كان يوجد مشروع سياسي انقلابي، فالموضوع يصبح مختلفا، وهنا لا يمكن تسميته فراغا بل انقلابا وهيمنة وسيطرة على الدولة من “حزب الله” عبر حليفه ميشال عون”.

واعتبر ان “هذا السيناريو تهويلي يمارسه “حزب الله” وينفذه ميشال عون لايصال جبران باسيل الى سدة الرئاسة لا أكثر ولا أقل. لكن هناك ديموقراطيون في البلد يقفون في وجه هذا السيناريو كما ان الرأي العام الدولي لن يقبل بهذا الحد من الانتهاك للدستور والقوانين والاعراف”.

وأشار فتفت الى ان “الاستمرار في الموقع يعرض صاحبه للملاحقة بسبب مخالفة الدستور، وبالخيانة العظمى خصوصاً ان تولي السلطة اساس الحياة السياسية في لبنان، لافتا الى ان اليوم أفضل حالاً من الغد لسبب بسيط ان السلطة القائمة لا تقوم بأي شيء لاصلاح الامور على الصعد كافة الا اذا كانت تتصرف بهذه الطريقة قصدا لتدمير مؤسسات البلد”. 

مالك: التمديد يُخرج الأمور عن السيطرة

أوضح الخبير الدستوري والمحامي سعيد مالك ان “مرسوم دعوة الهيئة الناخبة هو مرسوم عادي يصدر عن رئيس الجمهورية عملاً بأحكام المادة 54 من الدستور، وفي حال لم يوقع رئيس الجمهورية هذا المرسوم ليس هناك من مرجع يمكن ان يوقع عنه. وبالتالي، حكما الانتخابات سترجأ الى شهر أيار، ومبدئيا تعهد رئيس الجمهورية بتوقيع المرسوم اما في 8 أو 15 أيار المقبل”.

وأشار الى ان “ولاية مجلس النواب تنتهي في 20 أيار 2022. اما ان يصار الى اجراء الانتخابات قبل 60 يوماً من انتهاء الولاية عملا بأحكام الدستور تحديدا المادة 42 منه، واما أن نذهب الى قانون تمديدي يصدر عن مجلس النواب، وهذا القانون سيكون قابلاً للطعن أمام المجلس الدستوري، معتبرا ان الكرة اليوم في ملعب المجلس الدستوري في حال كان هناك من تمديد أو كان هناك من طعن بهذا التمديد، لكن ابقاء الدولة من دون مؤسسات ولا سيما مؤسسة مجلس النواب، يؤدي الى انهيار الدولة. اليوم، نحن محكومون اما بإجراء انتخابات نيابية، وإما التمديد لمجلس النواب الحالي، لكن في حال ذهبنا الى التمديد ستكون هناك عظائم الامور التي ستخرج عن سياق السيطرة، وسيكون ليس فقط للشارع موقفاً من ذلك انما لعواصم دول غربية”. وتابع: “في حال حصل التمديد، وسبق أن حصل التمديد لمجلس النواب، سيكون هو المخول انتخاب رئيس للجمهورية، لكن هذا الامر لن يحصل لأنه غير مقبول لا داخليا ولا خارجيا”.

وأكد مالك انه “لا يمكن التسليم بمنطق ان فريق رئيس الجمهورية يحضّر لتخريجة ما للبقاء في القصر الجمهوري في حال لم تحصل الانتخابات النيابية لان ذلك يعتبر انقلابا على النظام وعلى الاسس وعلى الدستور وعلى اتفاق الطائف. لا يمكن الذهاب في هذا الاتجاه لأنه مهما تكاثرت الاجتهادات، فلا اجتهاد في معرض النص. المادة 49 من الدستور واضحة وهي تنص على ان ولاية رئيس الجمهورية مدتها 6 سنوات غير قابلة للتمديد أو التجديد على الاطلاق. كان هناك سيناريو من هذا النوع، وان حصل مجددا نكون دخلنا فعلياً في جهنم”.

شارك المقال