استقالة ميقاتي في مهبّ تصعيد “حزب الله”!

جورج حايك
جورج حايك

لا يزال “حزب الله” ممسكاً باللعبة السياسية، وما يحصل من تطورات لم تخرج عن سيطرته، ولو كان مزعوجاً من أسلوب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فطريقة تعاطي الأخير مع أزمة السعودية ودول الخليج لم ترح “حزب الله”، وأزعجته أكثر طريقة تعاطيه مع مسألة القاضي طارق البيطار.

لا شك في أن ميقاتي رجل سياسي محنّك ويبرع في تدوير الزوايا، لكن ثمة سقفاً سياسياً لا يتنازل عنه، وهو لم يخض معركة تشكيل الحكومة متروكاً من أي دعم، بل نال موافقة ودعم عواصم القرار ولا سيما فرنسا والولايات المتحدة، قبل القبول بهذه المهمة. وبعد مفاوضات عسيرة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، تمكن من فتح كوّة في جدار الأزمة، ونجح في تشكيل حكومة حيث أُفشل الرئيس سعد الحريري، لكن ما عدا الأيام الأولى للحكومة التي بدت واعدة في تصميمها على تحقيق الانجازات، لم يُسمح لها بأن “تُقلّع”، وتلقت ضربتين: الأولى تأثرها بتحقيق انفجار مرفأ بيروت، والثانية تصريح وزير الاعلام جورج قرداحي والأزمة مع دول الخليج.

ظنّ “حزب الله” أن ميقاتي سيكون أكثر طواعية ومرونة، إلا أنه خلف وجهه المعتدل، ظهر مسؤول “عنيد”، بل الأصح أنه لا يستطيع تجاوز بعض الثوابت، وخصوصاً الركب في موجة العداء للعرب والاستسلام لمشيئة “الحزب” باستهداف القاضي البيطار واقصائه.

أمام هذا الواقع، قرر “الحزب” المواجهة، لأن التحقيق بانفجار المرفأ يسير عكس ما يشتهيه، وهو مستعد لتغيير كل قواعد اللعبة من أجل عرقلة التحقيق وإبعاد البيطار. وقد علمنا ان ثمة خطة وضعها “الحزب” وبدأ تنفيذها لتغيير المشهد السياسي وخصوصاً مع تعثر المفاوضات الاميركية – الايرانية، وما ارتفاع سعر صرف الدولار سوى رأس جبل الجليد. ومن المتوقع أن نشهد المزيد من الارتفاع الدراماتيكي من صيارفة محسوبين على “الحزب”، مما سيؤجج الشارع الذي سيركب موجته بجماهيره الغفيرة مع قطع طرقات بمباركته هذه المرة، تحت عناوين اقتصادية للضغط على ميقاتي، وسيتزامن ذلك مع استقالة لقضاة محسوبين على الثنائي الشيعي لخلق حالة من الارباك، ولن يتوقف هذا التصعيد إلا مع استقالة ميقاتي.

هذا سيكون الهدف الأول، عندها سيتم لملمة الشارع وتهدئة الأمور، مع دعوة رئيس الجمهورية إلى استشارات نيابية لتكليف رئس حكومة جديد، يكون محسوباً بالكامل على “حزب الله” لضرورات المواجهة الحاسمة، وربما يكون اسم النائب فيصل كرامي الأكثر طرحاً لقيادة حكومة مواجهة حتى النهاية وهذا هو الهدف الثاني، ويكون “الحزب” قد حقق انجازين: الأول “قبع” القاضي البيطار، والثاني التحكّم بالانتخابات النيابية كما يشاء.

قد تكون هذه الخطة واردة أو أنها سيناريو مبالغ فيه واستعراضي يروّجه بعض المقربين النافذين من “الحزب”، إلا أن السؤال الاساسي: ماذا لو قرر الرئيس ميقاتي المواجهة وعدم الاستقالة؟ لا شك في ان ميقاتي يعمل وفق مرجعية اميركية وفرنسية، ويقرأ “شيفرة” السياسة الدولية جيداً، وهو يُدرك ان السياسة في لبنان لعبة توازنات بين قوى اقليمية ودولية، وبالتالي قرار استقالته أو الاستمرار في الحكومة سيتخذ وفق هذا المنطق. ولا يبدو ان الأميركيين والفرنسيين ولا حتى الفاتيكان يشجّع ميقاتي على الاستقالة، بل ان المجتمع الدولي يحرص على صمود حكومته لتمرير كل الاستحقاقات الدستورية واهمها الانتخابات النيابية، التي تعوّل عليها عواصم القرار لتغيير المشهد السياسي وتحجيم النفوذ الايراني في لبنان، من دون الاضطرار إلى انزلاق نحو الفوضى.

قد يحاول “حزب الله” تنفيذ خطة لإحراج ميقاتي ودفعه إلى هذه الاستقالة، لكن ليس ضرورياً أن يستجيب ويندفع نحو الاستسلام، لمعرفته بأنه مدعوم دولياً وحتى لو استمرت حكومته بوضعية أشبه بوضعية تصريف أعمال.

ما يشهده لبنان خطير جداً، والارتفاع السريع والجنوني لسعر صرف الدولار فرض حضوره بقوة، وكثر باتوا يتساءلون كيف يصمت الناس أمام هذا التدهور لعملتهم الوطنية وارتفاع الأسعار بالمواد الاستهلاكية، فهل مات “الأمل” في وجدانهم بعد فشل ثورة 17 تشرين؟ الجواب سيكون في الأيام المقبلة التي ستشهد المزيد من ارتفاع سعر صرف الدولار، فيما يدا الحكومة “مربّطة”، وتبدو عاجزة عن فعل أي شيء في ظل الحصار المحكم الذي فرضه عليها “حزب الله” كضغط لإقالة القاضي البيطار!

ويبقى خيار وحيد، وربما يكون سبب اندلاع شرارة الشارع من “الحزب”، وهو دعوة ميقاتي الحكومة إلى الانعقاد بمن حضر، وعندها ستفتح أبواب جهنم على حكومته، وتصبح حكومة “معاً للانقاذ” بحاجة إلى من ينقذها من غضب “الحزب” وحلفائه!

شارك المقال